للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الملتهِب بالعطش، فيطمئنُّ إليه، ويسكن إليه، ويفرح [١٤٥ ب] به، ويلين إليه (١) قلبه ومفاصله، حتى كأنه شاهدَ الأمر كما أخبرت به الرسلُ. بل يصير ذلك لقلبه بمنزلةِ رؤية الشمس في الظهيرة لعينه (٢)، فلو خالفه في ذلك مَن بين شرقِ الأرض وغربِها لم يلتفت إلى خلافهم، وقال إذا استوحش من الغربة: قد كان الصدِّيق الأكبر مطمئنًّا بالإيمان وحده، وجميعُ أهل الأرض يخالفُه، وما نقَصَ ذلك من طمأنينته شيئًا. فهذا أول (٣) درجات الطمأنينة، ثم لا يزال يقوَى كلما سمع بآية متضمنة (٤) لصفة من صفات ربه. وهذا أمر لا نهاية له.

فهذه الطمأنينةُ أصلُ أصولِ الإيمان التي عليها قام بناؤه. ثم يطمئنُّ إلى خبره عما بعدَ الموتِ من أمور البرزخ وما بعدها من أحوال القيامة، حتى كأنه يشاهدُ ذلك كلَّه عِيانًا. وهذا حقيقةُ اليقين الذي وصف به سبحانه أهلَ الإيمان حيث قال: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة: ٤].

فلا يحصل الإيمان بالآخرة حتى يطمئنَّ القلبُ إلى ما أخبرَ الله سبحانه به (٥) عنها طمأنينتَه إلى الأمور التي لا يشكُّ فيها ولا يرتاب. فهذا هو


(١) ما عدا (أ، غ): «له».
(٢) (ن، ز): «بعينه»، تصحيف.
(٣) في (أ، ق): «أولى».
(٤) في الأصل: «متضمن». وكذا في (ب، ج، ق). ومن ثم قراءة (ب، ج): «بأثر» مكان «بآية»؛ لأن الآية مؤنثة. وفي (ق، ز): «بأنه»، خطأ. وفي (ط، غ): «تتضمن»، وفي (ن): «تتضمن صفة».
(٥) ساقط من (ب، ط).