للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سمع الوعدَ امتدَّ واستطال (١) شوقًا إليه وفرحًا بالظفر به، فأُعطيَ اسم الراجي. وحالاه متلازمان لا ينفكُّ عنهما، فكلُّ راجٍ خائفٌ من فوات ما يرجوه، كما أنَّ كلَّ خائفٍ راجٍ أمنه مما يخاف. فلذلك تداول الاسمان عليه. قال تعالى: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: ١٣]. قالوا في تفسيرها: لا تخافون لله عظَمة (٢).

وقد تقدَّم أنه سبحانه طوى الرجاءَ إلا عن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا. وقد فسَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - الإيمان بأنه ذو شُعَب وأعمال ظاهرة وباطنة (٣)، وفسَّر الهجرة بأنها هجرةُ ما نهى الله عنه، والجهادَ بأنه جهادُ النفس في ذات الله، فقال: «المهاجرُ من هَجَر ما نهى الله عنه، والمجاهدُ من جاهد نفسه في ذات الله» (٤). والمقصودُ أن الله سبحانه جعل أهل الرجاء مَنْ


(١) في النسخ المطبوعة: «استطار» خلافًا لما في جميع النسخ دون تنبيه.
(٢) رواه أبو صالح عن ابن عباس. زاد المسير (٢/ ٩٦). وانظر: الدر المنثور (١٤/ ٧٠٥). ولكن لم يوجد الرجاء بمعنى الخوف إلا مع النفي. انظر: تفسير الطبري (٧/ ٤٥٦).
(٣) يشير إلى نحو قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان». أخرجه البخاري (٩) وهذا لفظه، ومسلم (٣٥) عن أبي هريرة.
(٤) أخرجه الإمام أحمد (٢٣٩٥٨)، وابن حبان (٤٨٦٢)، والحاكم (١/ ١٠) من حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه في حجة الوداع، وفيه: «والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب».
وأخرج الترمذي (١٦٢١) الشطر الثاني منه، وابن ماجه (٣٩٣٤) الشطر الأول.
وإسناده جيد وصحّحه الترمذي والحاكم.
وقوله: «المهاجر من هجر ما الله عنه» ورد في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عند البخاري (١٠، ٦٤٨٤) وغيره. (قالمي).