للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفوت، والأخذُ بالحذر. وأصلُه من التنحِّي (١). ورَجَا البئرِ: ناحيتُه. وأرجاءُ السماء: نواحيها. وامتدادُ القلب إلى المحبوب منقطعًا عما يقطعه عنه هو: تنحٍّ عن النفس الأمَّارة وأسبابها وما تدعو إليه.

وهذا الامتداد والميل والخوف من شأن النفس المطمئنة، فإنَّ القلب إذا انفسحت بصيرتُه (٢)، فرأى الآخرة وما أعدَّ اللهُ فيها لأهل طاعته وأهل معصيته؛ خافَ وخفَّ مرتحلًا إلى الله والدارِ الآخرة. وكان قبل ذلك مطمئنًّا إلى النفس، والنفسُ إلى الشهوات والدنيا. فلما انكشفَ عنه غطاءُ النفس خفَّ وارتحل عن جوارها طالبًا جوارَ العزيز الرحيم في جنَّات النعيم.

ومن هاهنا صار كلُّ خائف راجيًا، وكلُّ راجٍ خائفًا، فأُطلق اسم أحدهما على الآخر؛ فإنَّ الراجي قلبُه قريبُ الصفةِ من قلب الخائف: هذا الراجي قد نحَّى قلبَه عن مجاورة النفس والشيطان مرتحلًا إلى الله، قد رُفِع له من الجنة علَمٌ فشمَّر إليه وأمَّه (٣) مادًّا إليه قلبَه كلَّه. وهذا الخائف فارٌّ من جوارهما، ملتجئٌ إلى الله من حبسهما له (٤) في سجنهما في الدنيا، فيُحبسَ معهما بعد الموت ويوم القيامة؛ فإنَّ المرءَ مع قرينه في الدنيا والآخرة. فلما سمع الوعيد ارتحل من مجاورة السوء في الدارين، فأُعطِيَ اسم الخائف، ولما


(١) الراء والجيم والحرف المعتل عند ابن فارس أصلان متباينان، يدل أحدهما على الأمل والآخر على ناحية الشيء. مقاييس اللغة (٢/ ٤٩٤).
(٢) كذا في الأصل و (ق، ز). أي: امتَدت وتوسَّعت. من انفسح الطرف: امتدَّ دون عائق (المعجم الوسيط) وانظر اللسان (فسح). وفي غيرها: «انفتحت».
(٣) أي قصده. وفي النسخ المطبوعة: «وله»!
(٤) «له» ساقط من (أ، ق، غ).