للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحكم به بين عباده، وهو حكمه الذي لا حكم له سواه.

وأما الحكم المؤوَّل، فهو أقوال المجتهدين المختلفة التي لا يجب اتباعها ولا يكفر ولا يفسق مَن خالفها، فإنَّ أصحابها لم يقولوا: هذا حكم الله ورسوله، بل قالوا: اجتهدنا برأينا، فمن شاء قَبِله، ومن شاء لم يقبله؛ ولم يُلزِموا به الأمة. بل قال أبو حنيفة: هذا رأيي، فمن جاءنا بخيرٍ منه قَبِلناه (١). ولو كان هو عين حكم الله لما ساغ لأبي يوسف ومحمد وغيرهما مخالفته فيه.

وكذلك مالكٌ استشاره الرشيد أن يحمل الناس على ما في الموطأ، فمنعه من ذلك، وقال: قد تفرَّق أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في البلاد، وصار عند كلِّ قومٍ علمٌ غيرُ ما عند الآخرين (٢).

وهذا الشافعيُّ ينهى أصحابه عن تقليده، ويوصيهم بترك قوله إذا جاء الحديث بخلافه (٣).

وهذا الإمام أحمد يُنكر على مَنْ كتب فتاويه ودوَّنها، ويقول: لا تُقلِّدني ولا تُقلِّد فلانًا ولا فلانًا، وخُذْ من حيث أخذوا (٤).


(١) ذكر المصنف في إعلام الموقعين (١/ ٧٥) أن أبا يوسف والحسن بن زياد كليهما رواه عن أبي حنيفة. وانظر: مجموع الفتاوى (٢٠/ ٢١١).
(٢) وكذا في إعلام الموقعين (٢/ ٣٨٢) ومجموع الفتاوى (٣٠/ ٧٩). والمشهور أن الذي أراد أن يحمل الناس على الموطأ وقال ذلك لمالك هو أبو جعفر المنصور. انظر: ترتيب المدارك (٢/ ٧١ ــ ٧٣).
(٣) انظر أول مختصر المزني، وقد نقل منه المصنف في إعلام الموقعين (٢/ ٢٠٠). وانظر: معرفة السنن للبيهقي (٢/ ٤٥٤).
(٤) إعلام الموقعين (٢/ ٢٠١). وانظر: مجموع الفتاوى (٦/ ٢١٥).