ولو علموا رضي الله عنهم أنَّ أقوالهم وحيٌ يجب اتباعه لحرَّموا على أصحابهم مخالفتَهم، ولمَا ساغ لأصحابهم أن يُفتوا بخلافهم في شيء، ولمَا كان أحدُهم يقول القول ثم يفتي بخلافه، فيُروى عنه في المسألة القولان والثلاثة وأكثر من ذلك. فالرأيُ والاجتهادُ أحسنُ أحواله أن يسوغ اتباعُه. والحكم المنزَّل لا يحِلُّ لمسلمٍ أن يُخالفه ولا يخرج عنه.
وأما الحكم المبدَّلُ، وهو الحكم بغير ما أنزل الله، فلا يحِلُّ تنفيذُه، ولا العملُ به، ولا يسوغ اتِّباعُه، وصاحبُه بين الكفر والفسوق والظلم.
* * * *
والمقصود: التنبيه على بعض أحوال النفس المطمئنة واللوَّامة والأمَّارة، وما تشترك فيه النفوس الثلاثة، وما يتميَّز به بعضُها من بعضٍ؛ وأفعالِ كلِّ واحدةٍ منها واختلافها ومقاصدها ونياتها. وفي ذلك تنبيهٌ [١٧٨ أ] على ما وراءَه.
وهي نفسٌ واحدةٌ تكون أمَّارةً تارةً، ولوَّامةً أخرى، ومطمئنةً أخرى. وأكثر الناس الغالب عليهم الأمَّارة. وأما المطمئنة فهي أقلُّ النفوس البشرية عددًا، وأعظمُها عند الله قدْرًا. وهي التي يقال لها: {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: ٢٨ ــ ٣٠].
والله سبحانه المسؤول المرجوُّ الإجابة، أن يجعل نفوسَنا مطمئنةً إليه، عاكفةً بهِمَّتها عليه، راهبةً (١) منه، راغبةً فيما لديه، وأن يُعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأن لا يجعلنا ممن أغفل قلبه عن ذكره، واتَّبع هواه،