للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما التحقير والاستهانة بشعيرة من شعائر الرب تبارك وتعالى ففيه تفصيل؛ فإن كان قاصدًا في احتقاره واستهانته لذات الشعيرة نفسها فلا شك أن هذا العمل من أعظم الذنوب، وأقبح المعاصي التي يستحق صاحبها شديد العذاب وأليم العقاب.

وأما إن كان قصده الاستهانة بها وبالله تعالى الذي شرعها وأشعر بها عباده فلا شك في كفر من تلبس بهذه النية وهذا العمل، وهذا من أكبر البراهين على خلو القلب من تعظيم الله وتوقيره، إذ المُعَظِّم لله والمُبَجِّل له لا يستهزئ بما عظمه ربه وبجله، بل الواجب أن يكون معظمًا له غاية التعظيم والتبجيل.

يقول الحافظ ابن حجر: "اِنْتَهَاك حُرْمَة الحَرَم بِالْمَعْصيَةِ تَسْتَلزِم اِنْتَهَاك حُرمَة الله لِأَنَّ تَعْظِيم الْحَرَم مِنْ تَعْظِيم الله، فَصارَتْ الْمَعْصيَة فِي الْحَرَم أَشَدَّ مِنْ الْمَعْصِيَة فِي غَيْرِهِ، وَإِنْ اِشْتَرَكَ الْجَمِيع فِي تَرْكِ تَعْظِيم الله تَعَالى، نَعَمْ مَنْ هَمَّ بِالْمَعْصِيَةِ قَاصِدًا الِاسْتِخْفاف بِالْحَرَمِ عَصى، وَمَنْ هَمَّ بِمَعصِيَة الله قَاصِدًا الِاستِخْفَاف بِاللّهِ كَفَرَ، وَإِنَّمَا الْمَعْفُوّ عَنْهُ مَنْ هَمَّ بِمَعْصِيَةٍ ذَاهِلًا عَنْ قَصْد الِاسْتِخْفافَ، وَهَذَا تَفْصِيل جَيِّد" (١).

رابعًا: إن تعظيم شعائر الله لا بد أن يكون بالطريقة الشرعية، وبالكيفية التي جاء بها كتاب الله وسُنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى نهج أصحابه وسلف الأمة، فلا يكون تعظيم الشعائر بآراء الناس وأذواقهم، وما تستحسنه عقولهم، بل ذلك كله إلى الشرع، فلا يُعَظِّم إلا ما عظَّمه الشرع، وبالكيفية التي جاء بها.

يقول ابن عبد الهادي في معرض مناقشته لأهل التعظيم البدعي: "أتوجبون كل تعظيم للرسول -صلى الله عليه وسلم-، أو نوعًا خاصًا من التعظيم، فإن


(١) فتح الباري (١١/ ٣٢٨).