للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بيَّن سبحانه في هذه الآية حال المشركين في ركوب البحر؛ لأنَّهم يخلصون لله الدعاء، ويفردونه بالعبادة؛ لأنَّهم يعلمون أنهم في شدة وكرب لا يقدر على كشف ذلك إلا فاطر السموات والأرضين، فخصوه بالعبادة والدعاء، وتركوا جميع الالهة من الأصنام والأنداد فلم يلتفتوا إليها، وكأنها لم تكن.

يقول الإمام الطبري: "فإذا ركب هؤلاء المشركون السفينة في البحر فخافوا الغرو، والهلاك فيه دعوا الله مخلصين له الدين، يقول: أخلصوا لله عند الشدة التي نزلت بهم التوحيد، وأفردوا له الطاعة، وأذعنوا له بالعبودة، ولم يستغيثوا بآلهتهم وأندادهم، ولكن بالله الذي خلقهم، فلما نجاهم إلى البرِّ، يقول: فلما خلصهم مما كانوا فيه، وسلمهم فصاروا إلى البر إذا هم يجعلون مع الله شريكًا في عبادتهم، ويدعون الالهة والأوثان معه أربابًا" (١).

ويقول الإمام البغوي: "هذا إخبار عن عنادهم وأنهم عند الشدائد يقرون أن القادر على كشفها هو الله عزَّ وجلَّ وحده فإذا زالت عادوا إلى كفرهم. قال عكرمة: كان أهل الجاهلية إذا ركبوا البحر حملوا معهم الأصنام، فإذا اشتدت بهم الريح ألقوها في البحر، وقالوا: يا رب يا رب" (٢).

ويؤيده قول قتادة في الآية: "إن الكافر يعرض عن معبوده في وقت البلاء، ويقبل على الله تعالى كما أخبر الله عزَّ وجلَّ عنهم فقال: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، والمؤمن لا يعرض عن الله في السراء والضراء والشدة والرخاء" (٣).


(١) تفسير الطبري (٢١/ ١٣).
(٢) تفسير البغوي (٣/ ٤٧٤)، وانظر: تفسير السمعاني (٤/ ١٩٣).
(٣) تفسير الطبري (١/ ١٣٦).