للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقول الإمام القرطبي: "قوله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ}؛ يعني: السفن وخافوا الغرق {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، أي: صادقين في نياتهم، وتركوا عبادة الأصنام ودعاءها، {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥) أي: يدعون معه غيره وما لم ينزل به سلطانًا" (١).

وقال العلامة الشوكاني: " {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي: انقطع رجاؤهم من الحياة وخافوا الغرق رجعوا إلى الفطرة، فدعوا الله وحده كائنين على صورة المخلصين له الدين؛ بصدق نياتهم وتركهم عند ذلك لدعاء الأصنام، لعلمهم أنه لا يكشف هذه الشدة العظيمة النازلة بهم غير الله سبحانه، فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون" (٢).

ثانيًا: قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢)} [يونس: ٢٢].

يقول أبو عبد الله القرطبي: {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}؛ أي: دعوه وحده وتركوا ما كانوا يعبدون، وفي هذا دليل على أن الخلق جبلوا على الرجوع إلى الله في الشدائد، وأن المضطر يجاب دعاؤه وإن كان كافرًا، لانقطاع الأسباب، ورجوعه إلى الواحد رب الأرباب" (٣).


(١) تفسير القرطبي (١٣/ ٣٦٣).
(٢) تفسير الشوكاني (٤/ ٢١١)، وانظر: تفسير البيضاوي (٤/ ٣٢٣).
(٣) تفسير الطبري (٨/ ٣٢٥)، وقال أيضًا: "وقوله: (فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) فأجابهم عند ضرورتهم ووقوع إخلاصهم مع علمه أنهم يعودون إلى شركهم وكفرهم، وقال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} فيجيب المضطر لموضع اضطراره وإخلاصه". [المراجع نفسه (١٣/ ٢٢٣)، وانظر: فتح القدير للشوكاني (٤/ ١٤٧)].