للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقول الحافظ ابن كثير: " {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}؛ أي: لا يدعون معه صنمًا ولا وثنًا، بل يفردونه بالدعاء والابتهال، وقال ها هنا: {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ}؛ أي: هذه الحال {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢) أي: لا نشرك بك أحدًا، ولنفردنك بالعبادة هناك كما أفردناك بالدعاء ها هنا" (١).

ويقول الشيخ الشنقيطي: "واعلم أن الكفار في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا يعلمون علمًا يقينًا أن ما ذكر من إجابة المضطر، وكشف السوء عن المكروب: من خصائص الربوبية، وكانوا إذا دهمتهم الكروب؛ كإحاطة الأمواج بهم في البحر في وقت العواصف يخلصون الدعاء لله وحده؛ لعلمهم أن كشف ذلك من خصائصه، فإذا أنجاهم من الكرب رجعوا إلى الإشراك " (٢).

ثالثًا: قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٠) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (٤١)} [الأنعام: ٤٥، ٤١].

يقول الإمام الطبري في معنى قوله تعالى: {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ}: "يقول تعالى ذكره مكذبًا لهؤلاء العادلين به الأوثان: ما أنتم أيها المشركون بالله الآلهة والأنداد، {إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ} بمستجيرين بشيء غير الله في حال شدة الهوة النازل بكم؛ من آلهة، ووثن، وصنم، بل تدعون هناك ربكم الذي خلقكم، وبه تستغيثون، وإليه تفزعون دون كل شيء غيره، {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ}، يقول: فيفرج عنكم عند استغاثتكم به، وتضرعكم إليه عظيم البلاء النازل بكم إن شاء أن يفرج ذلك عنكم؛ لأنَّه القادر على كل شيء، ومالك كل شيء دون ما تدعونه إلهًا من الأوثان، والأصنام، {وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (٤١)} يقول


(١) تفسير ابن كثير (٢/ ٤١٣ - ٤١٤).
(٢) أضواء البيان (٧/ ٤٠٧).