للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والخيالات، بل المطلوب منه أن يعبد خالقه الذي وهبه تلك الصفات السنية، وأهّله لتلك المراتب العلية، وأن يتذلل بين يديه يرجو رحمته ويخاف عذابه" (١).

ثالثًا: دلت القاعدة على صيانة الشرع وإصلاحه، وتكميله لأديان الخلق وعقولهم، وفي هذا أعظم الدلالة على اتفاق الشرع والعقل وتعاضدهما وعدم اختلافهما وتناقضهما، فالعقل لا يهتدي بدون الشرع، كما أن الشرع لا يفهم المقصود من نصوصه إلا بالعقل.

يقول العلامة ابن القيم: "فجمع سبحانه بين السمع والعقل، وأقام بهما حجته على عباده فلا ينفك أحدهما عن صاحبه أصلًا، فالكتاب المنزل والعقل المدرك حجة اللَّه على خلقه، وكتابه هو الحجة العظمى فهو الذي عرفنا ما لم يكن لعقولنا سبيل إلى استقلالها بإدراكه أبدًا" (٢).

رابعًا: اعلم أن تكميل اللَّه لعقول الخلق ليس تكميلًا مطلقًا، بحيث تستقل عن الشرع فتدرك كل شيء، بل هي لا تزال تحت حجر الشرع، فهو الآمر والناهي والحاكم عليها، وإن كان الشرع لا يأتي بما تحيله العقول، بل كل ما جاء به فالعقل السليم يؤيده، ويصدقه، ويؤمن به، والمقصود أنه ليس في مقدور العقول إدراك كل شيء، فوجب رجوعها إلى الشرع، وانقيادها له.

فالتكميل المقصود هو معرفتها وإدراكها لكل ما ينفعها في أمر دينها ودنياها، وصيانتها والمحافظة عليها، لكي تعرف الخير والهدى فتتبعه، وتعلم الشر والضلال فتجتنبه، وإلا فلا تزال هذه العقول قاصرة عن محرفة الكثير من عجائب اللَّه، وحِكَمِه في مخلوقاته وأمره وشرعه، {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (٨٥)} [الإسراء: ٨٥].


(١) تطهير المجتمعات من أرجاس الموبقات (ص ٥٦).
(٢) الصواعق المرسلة (٢/ ٤٥٨).