للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول الإمام ابن تيمية: "وخلاصة ما عند أرباب النظر العقلي في الإلهيات من الأدلة اليقينية، والمعارف الإلهية قد جاء به الكتاب والسُّنَّة، مع زيادات وتكميلات لم يهتد إليها إلا من هداه اللَّه بخطابه، فكان فيما جاء به الرسول من الأدلة العقلية والمعارف اليقينية فوق ما في عقول جميع العقلاء من الأولين والآخرين" (١).

ويقول الإمام ابن القيم: "فهذا أصل يجب التمسك به في هذا المقام، وأن يعلم أن عقول العالمين، ومعارفهم، وعلومهم، وحكمهم تقصر عن الإحاطة بتفاصيل حكمة الرب سبحانه في أصغر مخلوقاته" (٢).

بل إن عقول جميع الخلائق لو ركبت، وجعلت عقلًا واحدًا، ثم تأمل الإنسان بهذا العقل الواحد في عجائب حكمة اللَّه تعالى، في أقل الأشياء، لما أدرك منها إلا القليل (٣).

خامسًا: كما أن العقول ليس لها الكمال المطلق بحيث تحكم في كل شيء، كذلك يجب اعتبارها وعدم إهدارها وإلغائها عن الفهم عن اللَّه تعالى؛ إذ هي مناط التكليف وعليها يكون الثواب والعقاب، والذي يلغي عقله فلا يستعمله في الوصول إلى الحق يكون من جملة البهائم وفي عداد الأنعام؛ ولذا نعى اللَّه في كتابه حال الكافرين، حيث عطلوا عقولهم عن التفكر في آيات اللَّه القرآنية، وآياته الكونية، فلم يستفيدوا منها في الوصول إلى الحق. قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (٤٤)} [الفرقان: ٤٤].

والعقل إذا لم يجعل مطية إلى الوصول إلى فهم كلام اللَّه، وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والتدبر في خلق اللَّه وبديع صنعته، فإن وجوده كعدمه.

فيجب تسخير العقل في الوصول إلى الحق، والمحافظة عليه من


(١) منهاج السُّنَّة النبوية (٢/ ١١٠).
(٢) شفاء العليل (ص ١٨٧).
(٣) انظر: التفسير الكبير (١٩/ ١٠٢).