للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- قد قام ببيان هذا الدين كاملًا، فكيف يكون قد بلغ الدين وبيَّنه ولم يترك منه شيئًا مع الجهل وعدم العلم بما أوحاه اللَّه إليه، هذا لا يعقل.

يقول الإمام ابن تيمية: "والرسول -صلى الله عليه وسلم- أعلم الخلق بالحق، وأقدر الناس على بيان الحق، وأنصح الخلق للخلق، وهذا يوجب أن يكون بيانه للحق أكمل من بيان كل أحد" (١).

ويقول رحمه الله أيضًا بعد أن ذكر جملة من النصوص الدالة على تبليغه -صلى الله عليه وسلم- لهذا الدين: "وأمثال هذه النصوص التي تبين أن الرسول هدى الخلق، وبيَّن لهم، وأنه أخرجهم من الظلمات إلى النور، لا أنه لبس عليهم، وخيل، وكتم الحق فلم يبينه، ولم يهد إليه لا للخاصة ولا للعامة؛ فإنَّه من المعلوم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يتكلم مع أحد بما يناقض ما أظهره للناس، ولا كان خواص أصحابه يعتقدون فيه نقيض ما أظهره للناس، بل كل من كان به أخص، وبحاله أعرف كان أعظم موافقة له وتصديقًا له على ما أظهره وبيَّنه، فلو كان الحق في الباطن خلاف ما أظهره للزم إما أن يكون جاهلًا به، أو كاتمًا له عن الخاصة والعامة، ومظهرًا خلافه للخاصة والعامة" (٢).

ويقول ابن القيم: "لا ريب عند كل مؤمن باللّه ورسوله: أنه -صلى الله عليه وسلم- كان أعلم الخلق بما يخبر به، وما يأمر به، فهو أعلم الخلق بما أخبر به عن اللَّه واليوم الآخَر، وأعلمهم بدينه وشرعه الذي شرعه لعباده" (٣).

ثالثًا: أبطلت هذه القاعدة قول الفلاسفة (٤) الذين يقولون بأن الرسل


(١) درء التعارض (١/ ٢٣).
(٢) المصدر نفسه (٥/ ٢٥).
(٣) الصواعق المرسلة (٢/ ٦٥١)، وانظر: زاد المعاد (٤/ ٤١٤).
(٤) هم: الفلاسفة: مأخوذة من الفلسفة (باليونانية)؛ أي: محبة الحكمة، فهي مركبة من كلمتين (فيلا)؛ أي: المحب، و (سوفا)؛ أي: الحكمة، وهم على ثلاثة أقسام (الدهريون، الطبيعيون، الإلهيون). [انظر: الملل والنحل (٢/ ٥٨)].