للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البلاع، وعلينا التسليم" (١).

فليس له -صلى الله عليه وسلم- إلا البلاغ والبيان، كما قال -سبحانه وتعالي-: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٥٤)} [النور: ٥٤]. وأما مضمون الرسالة والوحي فهو من عند الله تبارك وتعالى لم يتدخل فيه -عليه السلام- ولا بكلمة واحدة، ولا استفاده ممن سبقه، وإنما هو محض الوحي الذي جاء به جبريل كما قال سبحانه: {وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (٩٣) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (٩٤) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (٩٥)} [الشعراء: ٩٢ - ٩٥].

يقول الإمام ابن تيمية: "وأيضًا فإنه أخبر أنه ليس ينطق من عنده، بل يتكلم بكل ما يسمع، وهذا إخبار بأن كل ما يتكلم به فهو وحي يسمعه، ليس هو شيئًا تعلمه من الناس، أو عرفه باستنباطه، وهذه خاصة محمد -صلى الله عليه وسلم-، فإن المسيح ومن قبله من الأنبياء كانوا يتعلمون من غيرهم مع ما كان يوحى إليهم، فعندهم علم غير ما يسمعونه من الوحي" (٢).

ويقول الشيخ حافظ حكمي: "يخبر -صلى الله عليه وسلم- أنه مخبر عن الله ومبلغ رسالته، وأن ما أمر به ونهى عنه وأخبر به هو تبليغ لأمر الله، ونهيه، وخبره، وإنه لم يقل شيئًا من عند نفسه فيقول: هو من عند الله، ومن اعتقد ذلك فهو كافر من حزب أبي جهل، والوليد بن المغيرة، وملئهم. قال الله -عز وجل-: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (٤٧)} [الحاقة: ٤٤ - ٤٧] ... " (٣).

ثامنًا: أن بيانه -عليه السلام- لهذا الدين لا يعدله بيان أحد من البشر؛ إذ هو -صلى الله عليه وسلم- أعلم الخلق بالحق، وأفصحهم لسانًا وبيانًا، وأنصح الخلق للخلق، فاجتمع فيه -عليه السلام- كمال العلم وكمال القدرة وكمال الإرادة.


(١) رواه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب: قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (٦/ ٢٧٣٨).
(٢) الجواب الصحيح (٥/ ٢٩٩).
(٣) معارج القبول (١/ ٢٦٨).