للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولذا قال -عليه السلام- لأصحابه: "إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا" (١).

ووصفه ربه تبارك وتعالى بالحرص على المؤمنين فقال سبحانه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)} [التوبة: ١٢٨]، ومما يظهر ذلك الحرص معاناته -صلى الله عليه وسلم- وتحمله للمشاق العظام، التي لم يتحملها بشر في سبيل إيضاح هذا الدين تمام الإيضاح بحيث لا يفهم أحد من أصحابه شيئًا من الدين خلاف مراد الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.

وأنزل الله عليه آيات عديدة تسلية له من الحزن والألم، والضيق الذي أَلَمَّ به بسبب كفر قومه وإعراضهم، ومن ذلك قوله تعالى: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (٨)} [فاطر: ٨]، وقوله: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٣٧)} [النحل: ٣٧]، وغيرها من الآيات، وما ذاك إلا لشدة حرصه، وكمال نصحه، وشفقته على أمته -صلى الله عليه وسلم- أن تعتقد أمته شيئًا يبغضه الله ورسوله.

يقول الإمام ابن تيمية: "والرسول -صلى الله عليه وسلم- أعلم الخلق بالحق، وأقدر الناس على بيان الحق، وأنصح الخلق للخلق، وهذا يوجب أن يكون بيانه للحق أكمل من بيان كل أحد" (٢).

ويقول -رحمه الله- أيضًا: "وقد أوجب الله عليه البلاغ المبين، وأنزل عليه الكتاب ليبين للناس ما نُزِّلَ إليهم، فلا بد أن يكون بيانه، وخطابه، وكلامه أكمل وأتم من بيان غيره، فكيف يكون مع هذا لم يبين الحق، بل بيَّنه من قامت الأدلة الكثيرة على جهله، ونقص علمه وعقله" (٣).


(١) صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنا أعلمكم بالله" (١/ ١٦) برقم (٢٠).
(٢) درء التعارض (١/ ٢٣٣).
(٣) المصدر نفسه (١/ ٢٤).