للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن المعلوم أن من قصَّر في بيان أمر من الأمور؛ فإما أن يكون قد أُتِيَ من قِبَلِ عِلْمِه أو قَصْدِه أو عَجْزِه، فيكون إما جاهلًا بما يتكلم به، أو غاشًّا لمن يخاطبهم لا يريد لهم علمًا ولا يبغي لهم هدى، أو عاجزًا عن البيان والإفصاح، فإن الفعل يتعذر لعدم العلم، أو لعدم القدرة، أو لعدم الإرادة، فإذا اجتمعت هذه الأمور الثلاثة لزم حصول الفعل ووقوع المطلوب، وجميع هذه الأمور تحققت في نبينا محمد عليه السلام على الكمال والتمام (١).

وقال -رحمه الله-: "ومن علم أن الرسول -صلي الله عليه وسلم- أعلم الخلق بالحق، وأفصح الخلق في البيان، وأنصح الخلق للخلق، علم أنه قد اجتمع في حقه كمال العلم بالحق، وكمال القدرة على بيانه، وكمال الإرادة له، ومع كمال العلم والقدرة والإرادة يجب وجود المطلوب على أكمل وجه، فيعلم أن كلامه أبلغ ما يكون، وأتم ما يكون، وأعظم ما يكون بيانًا لما بيَّنه في الدين من أمور الإلهية وغير ذلك" (٢).

ويقول العلامة ابن القيم -رحمه الله-: "لا ريب عند كل مؤمن بالله ورسوله أنه كان أعلم الخلق بما يخبر به، وما يأمر به، فهو أعلم الخلق بما أخبر به عن الله واليوم الآخر، وأعلمهم بدينه وشرعه الذي شرعه لعباده، وأنه كان أفصح الأمة، وأقدرهم على البيان، وكشف المعاني؛ فإنه عربي، والعرب أفصح الأمم، وقرشي، وقريش أفصح العرب، وهو في نفسه كان أفصح قريش على الإطلاق، وقد أقر له أعداؤه بذلك ... ثم من المعلوم بالاضطرار من حاله أنه كان أحرص الناس على هدى أمته، وتعليمهم والبيان لهم، فاجمع في حقه كمال القدرة، وكمال الداعي، وكمال العلم، فهو أعلم الناس بما يدعو إليه، وأقدرهم على


(١) انظر: المصدر نفسه (٥/ ٣٧١)، مع التصرف والزيادة.
(٢) مجموع الفتاوى (١٧/ ١٢٩) وانظر: كذلك (٥/ ٣١).