للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦)} [ص: ٨٦]، فكيف وقد عاب التشديق، وجانب أصحاب التقعير، واستعمل المبسوط في موضع البسط، والمقصور في موضع القصر، وهجر الغريب الوحشي، ورغب عن الهجين السوقي، فلم ينطق إلا عن ميراث حكمة، ولم يتكلم إلا بكلام قد حف بالعصمة، وشيد بالتأييد، ويسر بالتوفيق.

وهذا الكلام الذي ألقى الله المحبة عليه، وغشاه بالقبول، وجمع له بين المهابة والحلاوة، بين حسن الإفهام، وقلة عدد الكلام، ومع استغنائه عن إعادته، وقلة حاجة السامع إلى معاودته، لم تسقط له كلمة، ولا زلت له قدم، ولا بارت له حجة، ولم يقم له خصم، ولا أفحمه خطيب، بل يبذ (١) الخطب الطوال بالكلام القصير، ولا يلتمس إسكات الخصم إلا بما يعرفه الخصم، ولا يحتج إلا بالصدق، ولا يطلب يلتمس إسكات الخصم إلا بما يعرفه الخصم، ولا يحتج إلا بالصدق، ولا يطلب الفلج (٢) إلا بالحق، ولا يستعين بالخلابة (٣)، ولا يستعمل المواربة (٤)، ولا يهمز ولا يلمز (٥)، ولا يبطئ ولا يعجل، ولا يسهب


(١) تقول العرب: بَذَ يَبذُّ بَذًّا: إذا خرج شيء على الآخر في حسن أو عمل كائنًا ما كان، وبَذَّه إذا سبقه وغلبه. [انظر: العين (٨/ ١٧٧)، والأفعال (١/ ٩٧)، وتاج العروس (٩/ ٣٧٤)]. سبقه وغلبه. [انظر: العين (٨/ ١٧٧)، والأفعال (١/ ٩٧)، وتاج العروس (٩/ ٣٧٤)].
(٢) يقال: فلج الرجل على خصمه إذا فاز، والرجل الفالج: الفائز والاسم الفلج، وله أصل آخر: بمعنى التباعد والفرجة، ومنه فلج الأسنان، وهو تباعد ما بين الثنايا والرباعيات [انظر: مقاييس اللغة (٤/ ٤٤٨ - ٤٤٩)].
(٣) الخلابة: الخديعة برقيق الحديث [انظر: المعجم الوسيط (١/ ٢٤٨)].
(٤) المواربة: براءٍ مهملةٍ وباءٍ موحدةٍ: أن يقول المتكلم قولًا يتضمن ما ينكر عليه، فإذا حصل الإنكار استحضر بحذقه وجهًا من الوجوه يتخلص به؛ إما بتحريف كلمة، أو تصحيفها، أو زيادة أو نقص. [انظر: الحماسة البصرية (١/ ١٦٦)، والإتقان في علوم القرآن (٢/ ٢٥٧)].
(٥) اللَّمْزُ: العَيْبُ في الوَجْه بالعَيْنِ والرَّاسِ والشَّفَة، مع كَلامٍ خفِيٍّ، وقِيلَ: هو =