للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفاعلين" (١).

والمقصود بكون العبادة غاية للرب تبارك وتعالى؛ أي: أن الله تعالى أرادها وقصدها وهذا يستلزم علمه بها، إذ لا توجد الإرادة بدون العلم.

يقول الإمام ابن تيمية: "وتلك الغاية لا بد أن تكون معلومة للخالق، فإن العلة الغائية هي أول في العلم والإرادة، وهي آخر في الوجود والحصول، ولهذا كان الخالق لا بد أن يعلم ما خلق؛ فإنَّه قد أراده وأراد الغاية التي خلقه لها، والإرادة مستلزمة للعلم، فيمتنع أن يريد الحي ما لا شعور له به.

والصانع إذا أراد أن يصنع شيئًا فقد علمه وأراده، وقدر في نفسه ما يصنعه، والغاية التي ينتهي إليها، وما الذي يوصله إلى تلك الغاية.

والله سبحانه قدر وكتب مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم، كما ثبت في "صحيح مسلم" عن عبد الله بن عمرو (٢)، عن النبي -صلي الله عليه وسلم- أنه قال: "قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء" (٣).

وفي البخاري عن عمران بن حصين (٤)، عن النبي -صلي الله عليه وسلم- قال:


(١) مجموع الفتاوى (٨/ ٥٦).
(٢) هو: عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم ابن كعب بن لؤي القرشي السهمي، كنيته أبو محمد، من نجباء الصحابة وعلمائهم، أسلم قبل أبيه، ولم يكن أصغر من أبيه إلا باثنتي عشرة سنة، وقيل: بإحدى عشرة سنة، وكان واسع العلم، مجتهدًا في العبادة، توفي بالشام سنة ٦٥ هـ على اختلاف في ذلك. [انظر ترجمته في: الإصابة (٤/ ١٩٢ - ١٩٣)، وتاريخ الإسلام (٥/ ١٦٢ - ١٦٣)، والسير (٣/ ٨٠)].
(٣) أخرجه مسلم، كتاب القدر، باب: حجاج آدم وموسى -عليه السلام- (٤/ ٢٠٤٤) برقم (٢٦٥٣)، ولفظ مسلم: "كتب الله مقادير الخلائق".
(٤) هو: عمران بن حصين بن عبيد بن خلف، أبو نجيد الخزاعي، صحابي كأبيه، وله غزوات مع النبي -صلي الله عليه وسلم-، وكان يكون ببلاد قومه ويتردد إلى المدينة، ولي قضاء البصرة، =