للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العمل، بل كلاهما واجب لنفسه وشرط للآخر فلا بد من سلوك الطريقين معًا" (١).

خامسًا: سبق وأن بيَّنت معنى العبادة في القاعدة، وهي إفراده سبحانه بالتوحيد والانقياد له بطاعته وطاعة رسله، وإخلاص الدين له -سبحانه وتعالي-، وهذا ما دعت إليه جميع الرسل، وهو الغاية من إيجاد الخلف، ودل على ذلك صريح القرآن كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات: ٥٦]، وهذا هو المذهب الحق في تفسير هذه الآية، لكن للسلف أقوالًا كثيرةً في تفسير العبادة الواردة في هذه الآية، وقد ذكرها الإمام ابن تيمية -رحمه الله- في مصنفاته متعقبًا لكثير منها، ومناقشًا لأدلتها، وفيما يلي تلخيص هذه الأقوال، مع بيان ما فيها من قوة أو ضعف، مستعينًا في ذلك بكلام الشيخ -رحمه الله- وغيره من أهل العلم. فأقول يمكن إجمال هذه الأقوال فيما يلي:

الأول: قول جمهور المسلمين، الذين فسروا العبادة بما ذكرناه في معنى القاعدة، وأنها إفراده سبحانه بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، فهذه هي العبادة التي هي غاية الله من إيجاد الخليقة كلها؛ وهي المقصود الأعظم من إيجاد الخلق وإرسال الرسل (٢).

يقول الإمام ابن تيمية: "وهو الذي عليه جمهور المسلمين: أن الله خلقهم لعبادته، وهو فعل ما أمروا به؛ ولهذا يوجد المسلمون قديمًا وحديثًا يحتجون بهذه الآية على هذا المعنى حتى في وعظهم وتذكيرهم وحكاياتهم" (٣).

قال الربيع بن أنس (٤): {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)}؛ "أي: إلا


(١) بيان تلبيس الجهمية (١/ ٢٦٨).
(٢) انظر: التفسير الكبير (٢٨/ ١٩٨).
(٣) مجموع الفتاوى (٨/ ٥١ - ٥٢).
(٤) الربيع بن أنس بن زياد البكري البصري ثم الخراساني، عالم مرو في زمانه، توفي سنة (٢٣٩ هـ)، روى عن أنس بن مالك وأبي العالية، قال العجلي: صدوق، وقال =