للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثالث: قول طائفة من السلف، وافقوا الجمهور في معنى العبادة المراد من القاعدة، لكن قالوا هي مخصوصة بمن وقعت منه العبادة، فمن وجدت منه العبادة فهو مخلوق لها ومن لم توجد منه فليس مخلوقًا لها، فالغاية من إيجاد الخلق التي هي عبادة الله تعالى حاصلة بفعل السعداء منهم.

قال سعيد بن المسيب (١): "ما خلقت من يعبدني إلا ليعبدني" (٢). وقال الضحاك (٣): "هذا خاص لأهل طاعته" (٤).

وقال البخاري في معنى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)}: "ما خلقت أهل السعادة من أهل الفريقين إلا ليوحدون" (٥).

فهؤلاء قالوا: الآية بمعنى الخصوص لا العموم لأن البله والأطفال والمجانين لا يدخلون تحت الخطاب، وإن كانوا من الإنس، وكذلك الكفار يخرجون من هذا الخطاب بدليل قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} [الأعراف: ١٧٩]، فمن خلق للشقاء ولجهنم لم يخلق للعبادة.

ومال إليه الشيخ يحيى بن أبي الخير العمراني (٦) بعد أن ذكر في


(١) هو: سعيد بن المسيب بن حَزْن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ القرشي المخزومي الإمام، عالم أهل المدينة، وسيد التابعين في زمانه، ولد لسنتين من خلافة عمر -رضي الله عنه-. توفي -رحمه الله- سنة ٩٤ هـ. [انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (٤/ ٢١٧)].
(٢) انظر: زاد المسير، لابن الجوزي (٨/ ٤٢).
(٣) هو: أبو محمد الضحاك بن مزحم الهلالي، أحد أوعية العلم، إمام في التفسير، توفي -رحمه الله- سنة ١٠٥ هـ، وقيل: ١٠٦ هـ. [انظر ترجمته: طبقات ابن سعد (٦/ ٣٠٠)، وسير أعلام النبلاء (٤/ ٥٩٨ - ٦٠٠)].
(٤) انظر: زاد المسير (٨/ ٤٢)، وهو قول سفيان وابن قتيبة [انظر: تفسير الطبري (٢٧/ ١٢)].
(٥) صحيح البخاري (٤/ ١٨٣٧)، وهو قول الفراء [انظر: فتح الباري لابن حجر (٨/ ٦٠٠)].
(٦) هو: يحيى بن أبي الخير بن سالم بن أسعد بن يحيى أبو الخير العمراني اليماني، =