للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الآية ثلاثة أقوال، فقال مقررًا ومرجحًا له: "والثالث: أن لفظه لفظ العموم والمراد به الخصوص، وأراد بذلك الذين هداهم ووفقهم لطاعته وعبادته؛ يدل على هذا شيئان؛ أحدهما: أن فيهم الأطفال، والمجانين، ومن خرج من عموم الآية، والثاني: أنه قال: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} [الأعراف: ١٧٩]، فأخبر بهذه الآية أنه خلق كثيرًا منهم لجهنم، ومن خلقه الله لجهنم لم يخلقه للعبادة، والقرآن لا يتناقض، بل يؤيد بعضه بعضًا قال الله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)} [النساء: ٨٢]، ولا ينتفي عنه الاختلاف إلا إذا حملت الآيتان على ما ذكرنا" (١).

وقد بيَّن الإمام ابن تيمية ضعف هذا القول من وجوه عديدة أذكرها باختصار مع بعض التصرف فيما يلي (٢):

أولًا: أن قصد العموم ظاهر في الآية، وبيِّن بيانًا لا يحتمل النقيض؛ إذ لو كان المراد المؤمنين فقط لم يكن فرق بينهم وبين الملائكة؛ فإن الجميع قد فعلوا ما خلقوا له، بل الطاعة والعبادة وقعت من الملائكة دون كثير من الإنس والجن.

ثانيًا: وأيضًا فإن سياق الآية يقتضي أن هذا ذم وتوبيخ لمن لم يعبد الله منهم؛ لأن الله خلقه لشيء فلم يفعل ما خلق له، ولهذا عقبها


= ولد سنة تسع وثمانين وأربعمائة، وكان شيخ الشافعية ببلاد اليمن، وكان إمامًا زاهدًا ورعًا عالمًا خيرًا، عارفًا بالفقه وأصوله، معتقدًا لعقيدة السلف، وكان يحفظ المهذب عن ظهر قلب، وكان صاحب ذكر وتعبد، توفي سنة ثمان وخمسين وخمسمائة، من تصانيفه: البيان في نحو عشر مجلدات، وكتاب الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار ينصر فيه عقيدة السلف، وغيرها كثير، مات -رحمه الله- مبطونًا، وما ترك فريضة في جملة مرضه. [انظر ترجمته في: طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (١/ ٣٢٧ - ٣٢٨)، وشذرات الذهب (٤/ ١٨٥ - ١٨٦)].
(١) الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار (٢/ ٤٣٦).
(٢) انظر: مجموع الفتاوى (٨/ ٤٠ - ٤٤).