للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بقوله: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧)} [الذاريات: ٥٧]، فإثبات العبادة ونفي الرزق والإطعام يبين أنه خلقهم للعبادة، ولم يرد منهم ما يريده السادة من عبيدهم من الإعانة لهم بالرزق والإطعام.

ثالثًا: القول بأنها للمؤمنين فقط يجعل هذا كالعذر لمن لا يعبده ممن ذمه الله ووبخه، وغايته يقول: أنت لم تخلقني لعبادتك وطاعتك، ولو خلقتني لها لكنت عابدًا، وإنما خلقت هؤلاء فقط لعبادتك، وأنا خلقتني لأكفر بك، وأشرك بك، وقد فعلت ما خلقتني له، كما فعل أولئك المؤمنون ما خلقتهم له، فهذا مما يلزم هذا القول وكلام الله منزه عن هذا.

الرابع: قول من قال الآية على عمومها؛ لكن المراد بالعبادة تعبيده لهم، وقهره لهم، ونفوذ قدرته ومشيئته فيهم، وأنه صيرهم إلى ما خلقهم له من السعادة والشقاوة.

وعن زيد بن أسلم (١) في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات: ٥٦] "قال: ما جبلوا عليه من الشقاء والسعادة" (٢).

وقيل: "جبلهم على الطاعة وجبلهم على المعصية" (٣).

فالمؤمن مطيع ومنقاد باختياره، والكافر مذعن منقاد لقضاء ربه وقدره، جبرًا وقصرًا (٤).


(١) هو: الإمام الحجة أبو عبد الله زيد بن أسلم العدوي العمري المدني الفقيه العامل بعلمه، كان له حلقة للعلم في مسجد الرسول -صلي الله عليه وسلم-، وله تفسير رواه عنه ابنه عبد الرحمن، توفي عام ١٣٦ هـ. [انظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ (١/ ١٣٢ - ١٣٣)، والتقريب (ص ٣٥٠)].
(٢) تفسير الطبري (٢٧/ ١١).
(٣) انظر: درء التعارض (٨/ ٤٨٠)، وهو مروي عن وهب بن منبه.
(٤) الفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم (٣/ ٨٠).