للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(انطلقت حاجًا فمررت بقوم يصلون قلت: ما هذا المسجد؟ قالوا: هذه الشجرة حيث بايع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيعة الرضوان، فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته، فقال سعيد: حدَّثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحت الشجرة، قال فلما خرجنا من العام المقبل أُنسيناها فلم نقدر عليها. فقال سعيد: إن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- لم يعلموها وعلمتموها أنتم فأنتم أعلم) (١).

قال الإمام ابن عبد البر (٢): "وقد كره مالك (٣) وغيره من أهل العلم طلب موضع الشجرة التي بويع تحتها بيعة الرضوان؛ وذلك -والله أعلم- مخالفة لما سلكه اليهود والنصارى في مثل ذلك" (٤).

هذا ما حصل في زمان النبي -صلى الله عليه وسلم- من تعمية الشجرة على الصحابة، ونسيانهم لموضعها، ثم في زمان عمر -رضي الله عنه- توهموا في شجرة أخرى أنها شجرة البيعة، وصاروا يقصدونها للعبادة رجاء بركتها، فقطعها عمر سدًا لذريعة تعظيمها والافتتان بها (٥).


= صحيح البخاري (الهداية والإرشاد) (٢/ ٣٧٦)].
(١) أخرجه البخاري في صحيحه، المغازي، باب: غزوة الحديبية (٤/ ١٥٢٨)، رقم (٣٩٣٠)، والطبراني في المعجم الكبير (٢/ ٣٤٧٠)، رقم (٨١٦)، وابن سعد في الطبقات (٢/ ٩٩).
(٢) هو: يوسف بن عمر بن عبد البر بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري الحافظ شيخ علماء الأندلس، وكبير محدثيها في وقته، وأحفظ من كان فيها لسنة مأثورة له مؤلفات كثيرة نافعة منها: التمهيد، والاستذكار، والاستيعاب، توفي - رحمه الله - سنة ٤٦٣ هـ. [انظر ترجمته في: الديباج المذهب ص ٣٥٧، وشجرة النور الزكية (ص ١١٩)].
(٣) هو: إمام دار الهجرة، الإمام مالك بن أنس الأصبحي المدني، ولد سنة ٩٣ هـ، وهو أحد الأئمة الأربعة، جمع بين الفقه والحديث والرأي، جلس للفتيا وله إحدى وعشرون سنة، وقصده طلبة العلم من الآفاق، من أشهر مصنفاته الموطأ، توفي سنة ١٧٩ هـ. [تذكرة الحفاظ (١/ ٢٠٧ - ٢١٣)، وسير أعلام النبلا (٨/ ٤٨ - ١٣٥)].
(٤) الاستذكار (٢/ ٣٦٠).
(٥) انظر: فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (١/ ١٥١ - ١٥٢).