للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

آثاره، والوقوف في مواقفه، في حج وغيره، هو من أعظم مواطن التبرك التي تكون ذريعة إلى الخير، وصلة إلى الرشد، وقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- يبالغون في مثل هذا، ويتنافسون فيه، حتى كان عبد الله بن عمر إذا وصل إلى السباطة التي بال فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائمًا فعل كفعله وبال قائمًا" (١).

وهذا كما سبق خلاف ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من السلف.

لكن هناك فرقًا بين التأسي به في مجرد أفعاله -صلى الله عليه وسلم- التي لم يقصد بها العبادة، -كما هو الواقع من فعل ابن عمر- وبين تلمس البركة واعتقادها في آثاره -صلى الله عليه وسلم- المكانية، فيعتقد أن في نفس المكان وذات الموضع بركة تلتمس بسببه -صلى الله عليه وسلم-، فهذا الثاني مما لا خلاف فيه بين السلف، وهو من أسباب حدوث الشرك في الأمة، إذ هو ما كانت اليهود والنصارى تفعله مع قبور أنبيائها.

يقول الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان: "فالجاهلية هي التي تعظم آثار أنبيائها، ولهذا يقول عمر -رضي الله عنه- لما رأى الناس يذهبون إلى شجرة البيعة: (إنما أهلك من كان قبلكم أنهم تتبعوا آثار أنبيائهم) ثم أمر بقطع الشجرة، وهذه الأماكن لم يقصدها النبي -صلى الله عليه وسلم- للتشريع، أما الأماكن التي قصدها النبي -صلى الله عليه وسلم- للتشريع، مثل صلاته عند مقام إبراهيم، عملًا بقوله تعالى: {مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: ١٢٥]، فإنَّها تشرع الصلاة فها اقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، أما جلوسه في غار حراء، وفي غار ثور، أو جلوسه في الطريق بين مكة والمدينة للاستراحة، فهذا لم يفعله من أجل التشريع، وإنما فعله اتفاقًا وللحاجة، فيجب أن يفرق بين هذا وهذا، فالأماكن التي لم يقصدها للتشريع، وإنما مرّ بها أو جلس فيها


(١) السيل الجرار (٢/ ٢٠١).