للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من باب العادة، أو للاستراحة، أو صادفته الصلاة وصلى فيها من غير قصد لها، فإنَّه لا يتخذ هذا المكان الذي صلى فيه الرسول مصلى؛ لأنَّه فعله لا من باب القصد، وإنما فعله لأن الصلاة أدركته في هذا المكان فصلى فيه" (١).

ومما سبق تقريره يمكن القول بأنه لا يجوز تتبع آثاره -صلى الله عليه وسلم- بقصد العبادة إلا ما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- قصده إياها لأجل التعبد؛ وهذا بخلاف مسجده -صلى الله عليه وسلم-، والمسجد الحرام، ومسجد قباء، وكقصده لمقام إبراهيم، وكل ما ثبت بالنص من ذلك.

ثانيًا: لا يشرع قصد المساجد والمشاهد التي بمكة أو بالمدينة، وما حولهما من بقاع وجبال وأودية، بنية التعبد وحصول الثواب، وبحجة أنها آثار له -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ إن مجرد قصد التعبد يفتقر إلى دليل يثبته، وهذا فيما ثبت أنه من الآثار النبوية؛ فكيف بما أحدث وجعل من الآثار المعظمة بعده -صلى الله عليه وسلم- بقرون عديدة، وأزمان مديدة.

يقول الإمام ابن تيمية: "فأما قصد الصلاة في تلك البقاع التي صلى فيها اتفاقًا فهذا لم ينقل عن غير ابن عمر من الصحابة، بل كان أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وسائر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، يذهبون من المدينة إلى مكة حجاجًا وعمارًا ومسافرين، ولم ينقل عن أحد منهم أنه تحرى الصلاة في مصليات النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ومعلوم أن هذا لو كان عندهم مستحبًا لكانوا إليه أسبق، فإنهم أعلم بسُنَّته، وأتبع لها من غيرهم، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بسُنَّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة


(١) شرح مسائل الجاهلية، للشيخ صالح الفوزان (ص ٢٢٨).