للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ضلالة" (١) " (٢).

كما أنه لم يثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قصد جبل حراء، ولا جبل ثور بعد أن أكرمه الله بالرسالة، وأمر الأمة بالإيمان به وبطاعته، مع أنه اعتمر أربع عمر، وحج حجة الوداع، لا هو ولا أحد من صحابته لم يثبت عنهم ذلك.

يقول شيخ الإسلام: "فتحنثه (٣) وتعبده بغار حراء كان قبل المبعث، ثم إنه لما أكرمه الله بنبوته ورسالته، وفرض على الخلق الإيمان به، وطاعته، واتباعه، أقام بمكة بضع عشرة سنة هو ومن آمن به من المهاجرين الأولين، الذين هم أفضل الخلق، ولم يذهب هو ولا أحد من أصحابه إلى حراء.

ثم هاجر إلى المدينة واعتمر أربع عمر، وعمرته الرابعة مع حجة الوداع، وحج معه جماهير المسلمين، لم يتخلف عن الحج معه إلا من شاء الله.

وهو في ذلك كله؛ لا هو، ولا أحد من أصحابه يأتي غار حراء، ولا يزوره، ولا شيئًا من البقاع التي حول مكة، ولم يكن هناك عبادة إلا


(١) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب السُّنَّة، باب: في لزوم السُّنَّة (٤/ ٢٠٠)، رقم (٤٦٠٧)، والترمذي في جامعه، كتاب العلم، باب: ما جاء في الأخذ بالسُّنَّة واجتناب البدع (٥/ ٤٤)، رقم (٢٦٧٦)، وقال: (هذا حديث حسن صحيح)، وأحمد في المسند (٤/ ١٢٦)، رقم (١٧١٨٥)، والدارمي في المقدمة (١/ ٥٧)، رقم (٩٥).
(٢) اقتضاء الصراط المستقيم (ص ٣٨٩).
(٣) التَّحَنُّثُ: هُوَ مطلق التَّعَبُّدُ، وقيل: هو التعبد اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَد، كما في حديث الغار، حيث جاء تقييده في كلام الزهري، فظَنَّ البعض أَنّ قولَه الليَالِيَ ذوات العدَد قَيْدٌ في تَفْسِيرِ يَتَحَنَّث، وقد صَرّحَ شُرّاحُ البُخَارِيّ وغيرُهم من أَهلِ الغَريب بأَنَّ قولَ الزُّهْرِيّ اللّيَالِي ذَواتِ العَدَدِ إِنّمَا هو لِبَيَانِ الوَاقِعَةِ، ذَكَرَها اتّفاقِيَّةً، لا أنّ الَتَّحَنُتَ هو التَّعَبُّدُ بقَيْدِ اللّيَالِي ذَواتِ العَدَدِ، فإِنّه لا قائِلَ بِه، بل التَّحَنُّثُ هو التَّعَبُّد المُجَرَّدُ، صرَّحَ به غيرُ واحِدٍ، فلا معنى لتَقْييدِه، وقوى هذا البحث الزبيدي جدًّا. [انظر: المصباح المنير (١/ ١٥٤)، وتاج العَروس (٥/ ٢٢٥)].