للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالمسجد الحرام، وبين الصفا والمروة، وبمنى، والمزدلفة، وعرفات، وصلى الظهر والعصر ببطن عرنة، وضربت له القبة يوم عرفة بنمرة، المجاورة لعرفة.

ثم بعده خلفاؤه الراشدون، وغيرهم من السابقين الأولين، لم يكونوا يسيرون إلى حراء ونحوه للصلاة فيه والدعاء" (١).

فتتبع هذه الآثار وقصدها من أجل القربة والعبادة ليس من فعل صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا خلفائه الراشدين، الذين أعلى الله ذكرهم في كتابه، وحث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- على متابعتهم، والاهتداء بهديهم، بل هو مما أحدث في دين الله -سبحانه وتعالى-.

يقول الإمام ابن وضاح القرطبي (٢) بعد أن ذكر قصتي عمر: "وكان مالك بن أنس، وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد، وتلك الآثار للنبي -صلى الله عليه وسلم-، ما عدا قباء وأُحدًا. قال: وسمعتهم يذكرون أن سفيان الثوري دخل مسجد بيت المقدس، فصلى فيه، ولم يتبع تلك الآثار، ولا الصلاة فيها، وكذلك فعل غيره أيضًا ممن يقتدى به، وقَدِمَ وكيع (٣) أيضًا مسجد بيت المقدس فلم يَعْدُ فعل سفيان ...


(١) اقتضاء الصراط المستقيم (ص ٤٢٥).
(٢) هو: محمد بن وضاح بن بزيع مولى ملك الأندلس عبد الرحمن بن معاوية الأموي الداخل، وهو الحافظ الكبير أبو عبد الله القرطبي، ولد سنة تسع وتسعين ومائة، أو سنة مائتين بقرطبة، وكان عالمًا بالحديث، بصيرًا بطرقه، متكلمًا على علله، كثير الحكاية عن العباد، ورعًا، زاهدًا، متعففًا، صبورًا على نشر العلم، رحل إلى المشرق، وأخذ عن كثير من العلماء، ثم عاد إلى الأندلس، فحدث مدة طويلة، ونشر بها علمه، فنفع الله بن أهل الأندلس، صنف كتبًا منها: البدع والنهي عنها، ومكنون السر ومستخرج العلم، توفي سنة ٢٨٩ هـ. [انظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ (٢/ ٦٤٦ - ٦٤٧)، والأعلام (٧/ ١٣٣)].
(٣) هو: وكيع بن الجراح بن مليح بن عدي الرؤاسي أبو سفيان، من الحفاظ المتقنين، وأهل الفضل في الدين، وكان ممن رحل، وكتب، وجمع، وصنف، وحفظ، وحدث، وذاكر، وبث، كان مولده سننة تسع وعشرين ومائة، ومات بطريق مكة سنة =