للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الحافظ ابن حجر في شأن الشجرة التي قطعها عمر: "وبيان الحكمة في ذلك: وهو أن لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير، فلو بقيت لما أمن تعظيم بعض الجهال لها، حتى ربما أفضى بهم إلى اعتقاد أن لها قوة نفع أو ضر، كما نراه الآن مشاهدًا فيما هو دونها، وإلى ذلك أشار ابن عمر بقوله: كانت رحمة من الله؛ أي: كان خفاؤها عليهم بعد ذلك رحمة من الله تعالى" (١).

وقال الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله-: "ولأن تتبعها -أي: آثار النبي صلى الله عليه وسلم- يحدث الوثنية فيما بعد بتبرك الناس به، ويقصدونه من بعيد، ويسافرون إليه، فيحصل في ذلك ما حصل في الأمم السابقة من الشرك، وربما يبنى عليه" (٢).

وبناء على ذلك فالقول بعدم جواز تتبع آثار النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه سد لذرائع عظيمة وفتن كبيرة، ومن أعظمها الشرك بالله العظيم، خاصة من عوام الأمة وضعفاء القلوب.

ثم إن بركة ذوات الأنبياء والمرسلين لا تتعدى إلى الأمكنة الأرضية، وإلا لزم أن تكون كل أرض وطئها النبي، أو جلس عليها، أو طريق مرَّ بها تطلب بركتها، ويتبرك بها، وهذا لازم باطل قطعًا، مع عدم فعل الصحابة لشيء من ذلك (٣).

يقول الشيخ صديق حسن خان: "قالوا: المشي في أرض مشى فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكفر السيئات، خصوصًا مع النجة الصالحة، وفيها بشرى له برجاء أن يكون متبعًا آثاره الشريفة، قلت: وذلك يحتاج إلى سند؛ لأن المكفّر إنما هو اتباع هديه وسُنَّته ظاهرًا وباطنًا، دون تتبع آثاره


(١) فتح الباري (٦/ ١١٨)، وانظر: عمدة القارئ (١٧/ ٢٢٠).
(٢) شرح مسائل الجاهلية، للشيخ الفوزان (ص ٢٢٨ - ٢٢٩).
(٣) انظر: التبرك أنواعه وأحكامه، للجديع (ص ٣٤٨).