للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بقية الصور، وفيما يلي ذكر هذه الصور بإيجاز وتصرف:

أولًا: أن يتأسى بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في صورة الفعل الذي فعله، من غير أن يعلم قصده فيه، أو مع عدم السبب الذي فعله، وهذا ما كان يفعله عبد اللّه بن عمرر -رضي الله عنهما-.

ثانيًا: أن يتحرى تلك البقعة للصلاة عندها من غير أن يكون ذلك وقتًا للصلاة، بل أراد أن ينشئ الصلاة والدعاء لأجل البقعة، فهذا لم ينقل عن ابن عمر ولا غيره.

ثالثًا: أن لا تكون تلك البقعة في طريقه، بل يعدل عن طريقه إليها، أو يسافر إليها سفرًا قصيرًا أو طويلًا، مثل من يذهب إلى حراء ليصلي فيه ويدعو، أو يذهب إلى الطور الذي كلم الله عليه موسى ليصلي فيه ويدعو، أو يسافر إلى غير هذه الأمكنة من الجبال وغير الجبال، التي يقال: فيها مقامات الأنبياء أو غيرهم، أو مشهد مبني على أثر نبي من الأنبياء، ونحو هذه البقاع، فهذا مما يعلم كل من كان عالمًا بحال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحال أصحابه من بعده، أنهم لم يكونوا يقصدون شيئًا من هذه الأمكنة (١).

والصورة الأولى التي كان يفعلها ابن عمر لا حجة للمتمسك بها في تجويزه تتبع آثار النبي -صلى الله عليه وسلم- من أجل العبادة أو التبرك بها؛ لأمور عدة:

أولًا: أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- لم يكن قصده بركة البقعة، أو خيرية المكان، وإنما كان يقصد تمام الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- والمتابعة له في كل أموره وشؤونه.

يقول الإمام ابن تيمية: "وهذا من ابن عمر تحرِّ لمثل فعله، فإنه قصد أن يفعل مثل فعله، في نزوله وصلاته، وصبه للماء وغير ذلك، ولم


(١) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (ص ٤٢٤).