للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولون هذا على سبيل الاستهزاء، والتنقص، والتهكم بنبيهم، والاستبعاد لإجاباتهم له، فمعنى كلامهم: أنه لا موجب لنهيك لنا إلا أنك تصلي لله، وتتعبد له، فإن كنت كذلك؛ أفيوجب ذلك علينا أن نترك ما يعبد آباؤنا لقول ليس عليه دليل إلا أنه موافق لك، فكيف نتبعك ونترك ما يعبد آباؤنا الأقدمون وأسلافنا الأولون، أولي العقول والألباب (١).

٦ - وقال سبحانه عن كفار العرب من قريش: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (٢) كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (٣) وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (٤) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (٥) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (٦) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (٧)} [ص: ١ - ٧].

أي: أزعم هذا الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- أن المعبود واحد [لا إله إلا هو)، أنكر المشركون ذلك قبحهم الله تعالى، وتعجبوا من ترك الشرك بالله؛ فإنَّهم كانوا قد تلقوا عن آبائهم عبادة الأوثان، وأشربته قلوبهم، فلما دعاهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى خلع ذلك من قلوبهم، وإفراد الإله بالوحدانية، أعظموا ذلك، كيف ينهى عن اتخاذ الشركاء، والأنداد، ويأمر بإخلاص العبادة لله وحده، إن هذا الذي جاء به لشيء يقضي منه العجب؛ لبطلانه، وفساده عندهم. وأصبح سادتهم، وقادتهم، ورؤساؤهم، وكبراؤهم يوصون أتباعهم بالصبر على عبادة الآلهة، وعدم الالتفات إلى ما يدعوهم إليه محمد -صلى الله عليه وسلم- من التوحيد والإخلاص (٢).

وقال تبارك وتعالى عنهم كذلك: {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا


(١) انظر: البداية والنهاية (١/ ١٨٦ - ١٨٧)، وتفسير السعدي (٣٨٧).
(٢) انظر: تفسير ابن كثير (٤/ ٢٨)، وتفسير السعدي (ص ٧١٠).