للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البركة، وتهبها لهم؛ إما بذاتها، أو بوساطتها عند الله تعالى، وكل ذلك شرك أكبر مخرج عن ملة الإسلام، أضف إلى هذا ما يقوم بقلوب هؤلاء من عظيم الخضوع وغاية المحبة، وخالص الخشوع.

ولهذا أنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- على من سأله في غزوة حنين، فقد روى الإمام أحمد عن أبي واقد الليثي (١): (أنهم خرجوا من مكة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حنين، قال: وكان للكفار سدرة يعكفون عندها، ويعلقون بها أسلحتهم يقال لها: ذات أنواط. قال: فمررنا بسدرة خضراء عظيمة قال: فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة. قال: إنكم قوم تجهلون. إنها السُّنن لتركبن سُنن من كان قبلكم ... " (٢).

فشبه النبي -صلى الله عليه وسلم- طلبهم هذا من أجل التبرك باتخاذ إله مع الله، وسمى التماس التبرك منه، واعتقاد البركة فيه تألهًا.

وذلك لكون المشركين اعتقدوا أن الأوثان تملك البركة، وتعطيها من تشاء، ثم رتبوا على ذلك دعاءها والرغبة إليها، والخضوع بين يديها وصرفوا لها صنوف العبادات والتعظيمات.

يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: "عباد هذه الأوثان إنما كانوا يعتقدون حصول البركة منها بتعظيمها، ودعائها، والاستعانة بها، والاعتماد عليها في حصول ما يرجونه منها، ويؤملونه ببركتها، وشفاعتها، وغير ذلك، فالتبرك بقبور الصالحين كاللات، وبالأشجار


(١) أبو واقد الليثي مختلف في اسمه قيل: الحارث بن مالك وقيل: ابن عوف وقيل: عوف بن الحارث بن أسيد بن جابر بن عبد مناة بن شجع بن ليث بن بكر بن مناف، شهد بدرًا. [انظر ترجمته في: الإصابة في تمييز الصحابة (٧/ ٤٥٥)].
(٢) مسند الإمام أحمد (٥/ ٢١٨)، رقم (٢١٩٤٧).