للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول الإمام أبو العباس القرطبي: "وقوله: (إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع) (١) دفع لتوهم من وقع له من الجهال: أن للحجر الأسود خاصية ترجع إلى ذاته، كما توهمه بعض الباطنية (٢)، وبين أنه ليس في تقبيله إلا الاقتداء المحض، ولو كان هناك شيء مما يفترى لكان عمر -رضي الله عنه- أحق الناس بعلمه" (٣).

وقال الطيبي (٤) في حديث عمر وتقبيله للحجر الأسود: "إنما قال ذلك: لئلا يغتر بعض قربيي العهد بالإسلام، الذين قد ألفوا عبادة الأحجار وتعظيمها، ورجاء نفعها، وخوف الضرر بالتقصير في تعظيمها، فخاف -رضي الله عنه- أن يراه بعضهم يقبله فيفتتن به، فبين أنه لا يضر ولا ينفع بذاته، وإن كان امتثال ما شرع فيه ينفع باعتبار الجزاء والثواب" (٥).

ولا شك أن مجرد التعبد بامتثال أمر الشارع من أعظم الخيرات المعقولة، وأجل البركات المحسوسة، التي ينالها المسلم في دنياه وآخرته.


(١) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج، باب: ما ذكر في الحجر الأسود (٢/ ٥٧٩) برقم (١٥٢٠)، عن عمر بن الخطاب.
(٢) الذي يظهر أن للحجر الأسود خاصية ترجع إلى ذاته، وليس هو كبقية أحجار الدنيا، وأن بركته بركة ذاتية كما سبق تقرير ذلك، وهكذا جميع الأعيان التي أثبت الشارع بركتها كما مرَّ في كلام ابن القيم، ومع كون ذاته مباركة فلا يلزم منه جواز التماس البركة الحسية منه لعدم ورود الدليل المثبت لشرعية ذلك، فلم يبق إلا بركة التعبد المحض، كما نص على ذلك عمر -رضي الله عنه-.
(٣) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (٣/ ٣٧٨).
(٤) هو: شرف الدين الحسين بن عبد الله بن محمد الطيبي، ولد سنة ٧٤٣ هـ، كان حسن المعتقد، شديد الرد على الفلاسفة والمبتدعة، له مصنفات منها: حاشية على الكشاف والكاشف عن حقائق السُنن، شرح مشكاة المصابيح وغيرها. [الدرر الكامنة (٢/ ١٥٦)].
(٥) شرح الطيبي على مشكاة المصابيح (٥/ ٢٧٨).