الفضل والبركة منتفية فضلًا عن المساواة، فكيف يقاس الأعلى بالأدنى، ثم إن سبب التبرك بالجسد أو بما انفصل منه ليس هو الصلاح فحسب، وإنما الأصل في جواز التبرك به -صلى الله عليه وسلم- هو النبوة.
ثالثًا: دل فعل الصحابة وسيرتهم على أن التبرك بآثاره -صلى الله عليه وسلم- الجسدية من خصوصياته عليه السلام؛ ولذا لم ينقل عنهم -مع حرصهم على الخير- أنهم تبركوا بآثار أبي بكر ولا عمر -رضي الله عنهما -، فدل ذلك على الخصوصية.
رابعًا: عدم أمن الفتنة على الشخص الذي يتبرك بجسده، أو ما ينفصل منه، إذ قد يدخله العجب، ويلعب به الشيطان، فيورثه ذلك فسادًا ومرضًا في القلب، بل هذا هو الواقع المحتوم لمن تأمل في حال من يُفْعَل بهم هذا.
وقد نص الإمام الشاطبي على المنع من ذلك ناقلًا إجماع الصحابة -رضي الله عنهم- على تركه، وعدم جوازه، مع عنايتهم العظيمة باتباع السُّنَّة واقتفاء الهدي، والحرص على الخير، فقال رَحِمَهُ الله: "إلا أنه عارضنا في ذلك أصل مقطوع به في متنه، مشكل في تنزيله، وهو أن الصحابة - رضي الله عنهم - لم يقع من أحدٍ منهم شيء من ذلك بالنسبة إلى من خلفه، إذ لم يترك النبي -صلى الله عليه وسلم- بعده في الأمة أفضل من أبي بكر الصديق - رضي الله عنهم - فهو كان خليفته، ولم يُفعل به شيء من ذلك، ولا عمر -رضي الله عنه-، وهو كان أفضل الأمة بعده، ثم كذلك عثمان، ثم علي ثم سائر الصحابة، الذين لا أحد أفضل منهم في الأمة، ثم لم يثبت لواحدٍ منهم من طريق صحيح معروف أن متبركًا تبرك به على أحد تلك الوجوه أو نحوها -يعني: بجسده أو بما انفصل منه-، بل اقتصروا فيهم على الاقتداء بالأفعال، والأقوال، والسير التي اتبعوا فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهو إذًا إجماع منهم على