للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التوغل في التعظيم" (١).

ويستمر الإمام الشاطبي في تجلية الأمر فيقول: "ولأن الولاية؛ وإن ظهر لها في الظاهر آثار؛ فقد يخفى أمرها؛ لأنَّها في الحقيقة راجعة إلى أمر باطن لا يعلمه إلا الله، فربما ادعيت الولاية لمن ليس بوليٍّ، أو ادعاها هو لنفسه، أو أظهر خارقة من خوارق العادات هي من باب الشعوذة لا من باب الكرامة، أو من باب السحر (٢)، أو الخواص أو غير ذلك، والجمهور لا يعرف الفرق بين الكرامة والسحر، فيعظمون من ليس بعظيم، ويقتدون بمن لا قدوة فيه، وهو الضلال البعيد، إلى غير ذلك من المفاسد، فتركوا العمل بما تقدم -وإن كان له أصل-؛ لما يلزم عليه من الفساد في الدين" (٣).

وتابع الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ من قبله من أهل العلم في تأييد ما قرروه من إبطال قياس من قاس غير النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه في التبرك بجسده وما انفصل منه فقال: "وظن أن بقية الصالحين في ذلك كالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا خطأ صريح لوجوه: منها عدم المقاربة فضلًا عن المساواة للنبي -صلى الله عليه وسلم- في الفضل والبركة، ومنها عدم تحقق الصلاح فإنَّه لا يتحقق إلا بصلاح القلب، وهذا أمر لا يمكن الاطلاع عليه إلا بنص؛ كالصحابة الذين أثنى الله عليهم ورسوله، أو أئمة التابعين، أو من شهر بصلاح ودين كالأئمة الأربعة ونحوهم من الذين تشهد لهم الأمة


(١) المصدر السابق (١/ ٤٨٣ - ٤٨٤) وهنا ذكر الشاطبي عن الفرغاني مذيل (تاريخ الطبري) عن الحلاج: أن أصحابه بالغوا في التبرك به، حتى كانوا يتمسحون ببوله، ويتبخرون بعذرته، حتى ادعوا فيه الإلهية، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا. [انظر: المصدر السابق].
(٢) كلمة (السحر) ساقطة من النسخة، والتصحيح من طبعة أخرى بتحقيق: أحمد عبد الشافي، دار الكتب العلمية (٢/ ٢٧٨).
(٣) الاعتصام (١/ ٤٨٤).