للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٧٩)} [الأنعام: ٧٩]:

"أي: أخلصت ديني، وأفردت عبادتي للذي فطر السماوات والأرض" (١).

والمقصود من الآية: أن إبراهيم عليه السلام وجه وجهه لله وحده، مقبلًا عليه بالتوحيد، ومذعنًا له بالانقياد، معرضًا عن من سواه، متبرئً من الشرك وأهله؛ فدعا قومه إلى التوحيد، وأعلنه إعلانًا، فلم يترك للشرك مسلكًا إلى نفوس الغافلين، وأقام بناية هي الكعبة، أول بيت وضع للناس، وفرض حَجّه على الناس، ارتباطًا بمغزاه، وأعلن تمام العبودية لله تعالى (٢).

يقول الشيخ المباركفوري: "أي: توجهت بالعبادة بمعنى: أخلصت عبادتي لله، وقيل: صرفت وجهي، وعملي، ونيتي، أو أخلصت وجهتي وقصدي للذي فطر السماوات والأرض" (٣).

لكن التوجه الظاهري بالوجه لا يعتبر إذا خلا القلب من التوجه والانقياد والخضوع والتعظيم، فإن هذه الأمور إن حصلت في القلب استلزمت توجه الوجه فيما شرع فيه التوجه.

يقول الإمام ابن تيمية: "وذلك أنهما متلازمان؛ فحيث توجه الإنسان توجه وجهه، ووجهه مستلزم لتوجهه، وهذا في باطنه وظاهره جميعًا، فهي أربعة أمور، والباطن هو الأصل، والظاهر هو الكمال والشعار، فإذا توجه قلبه إلى شيء تبعه وجهه الظاهر، فإذا كان العبد قصده ومراده وتوجهه إلى الله، فهذا صلاح إرادته وقصده، فإذا كان مع ذلك محسنًا فقد اجتمع له أن يكون عمله صالحًا، وأن يكون لله تعالى" (٤).


(١) تفسير ابن كثير (٢/ ١٥٢).
(٢) انظر: تفسير السعدي (ص ٢٦٢)، وتفسير التحرير والتنوير (٣/ ٢٧٥).
(٣) تحفة الأحوذي (٩/ ٢٦٤).
(٤) الاستقامة (٢/ ٣٠٧).