(٢) ومع كونها منسوخة من حيث استقبالها في صلاة الفريضة إلا أن فضلها وبعض أحكامها لا زالت باقية، كما هي سُنّة الله تعالى فيما قضى بنسخه، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: "فتأمل الأحكام المنسوخة؛ حكمًا حكمًا كيف تجد المنسوخ لم يبطل بالكلية، بل له بقاء بوجه؛ فمن ذلك نسخ القبلة، وبقاء بيت المقدس معظمًا محترمًا تشد إليه الرحال، ويُقْصد بالسفر إليه، وحط الأوزار عنده، واستقباله مع غيره من الجهات في السفر، فلم يبطل تعظيمه واحترامه بالكلية، وإن بطل خصوص استقباله بالصلوات، فالقصد إليه ليصلى فيه باق، وهو نوع من تعظيمه وتشريفه بالصلاة فيه، والتوجه إليه قصدًا لفضيلته، وشرعه له نسبة من التوجه إليه بالاستقبال بالصلوات، فقدم البيت الحرام عليه في الاستقبال؛ لأن مصلحته أعظم وأكمل، وبقي قصده وشد الرحال إليه والصلاة فيه منشأ للمصلحة، فتمت للأمة المحمدية المصلحتان المتعلقتان بهذين البيتين، وهذا نهاية ما يكون من اللطف وتحصيل المصالح وتكميلها". [مفتاح دار السعادة (٢/ ٣٢ - ٣٣)].