للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما تفعل اليهود والنصارى، وكذلك الصخرة إنما يعظمها اليهود وبعض النصارى" (١).

ومن ثم تعقَّب بعض أهل العلم من يعبر عن المسجد الأقصى بأنه: (أُوْلَى القبلتين)، وجزم بأنها عبارة موهمة؛ إذ قد يفهم من هذا التعبير بأن للمسلمين قبلتين معظمتين من حيث التوجه إليهما؛ المسجد الأقصى ومسجد الكعبة، وهذا لا يصح كما سبق، فإن قبلة المسجد الأقصى منسوخة (٢)، ولا يصح تعظيمها بهذا الاعتبار.

يقول الشيخ ابن عثيمين: "المسألة السابعة: أن للأمة الإسلامية قبلة سابقة، وقبلة لاحقة؛ نسمع تعبيراً عن المسجد الأقصى: (إنه ثالث الحرمين وأولى القبلتين)، وهذا التعبير يحتاج إلى فهم؛ إذا قلنا: ثالث الحرمين فإنَّه ربما يفهم السامع أن المسجد الأقصى له حرم، أو أنه حرم، وليس كذلك فإن المسلمين أجمعوا على أنه لا حرم إلا في مكة والمدينة، واختلفوا في وادي وج، وهو واد في الطائف، والصحيح أنه ليس بحرم، أما المسجد الأقصى فليس بحرم، لكنه مسجد معظم تشد


(١) مجموع الفتاوى (٢٧/ ١٢ - ١٣).
(٢) ومع كونها منسوخة من حيث استقبالها في صلاة الفريضة إلا أن فضلها وبعض أحكامها لا زالت باقية، كما هي سُنّة الله تعالى فيما قضى بنسخه، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: "فتأمل الأحكام المنسوخة؛ حكمًا حكمًا كيف تجد المنسوخ لم يبطل بالكلية، بل له بقاء بوجه؛ فمن ذلك نسخ القبلة، وبقاء بيت المقدس معظمًا محترمًا تشد إليه الرحال، ويُقْصد بالسفر إليه، وحط الأوزار عنده، واستقباله مع غيره من الجهات في السفر، فلم يبطل تعظيمه واحترامه بالكلية، وإن بطل خصوص استقباله بالصلوات، فالقصد إليه ليصلى فيه باق، وهو نوع من تعظيمه وتشريفه بالصلاة فيه، والتوجه إليه قصدًا لفضيلته، وشرعه له نسبة من التوجه إليه بالاستقبال بالصلوات، فقدم البيت الحرام عليه في الاستقبال؛ لأن مصلحته أعظم وأكمل، وبقي قصده وشد الرحال إليه والصلاة فيه منشأ للمصلحة، فتمت للأمة المحمدية المصلحتان المتعلقتان بهذين البيتين، وهذا نهاية ما يكون من اللطف وتحصيل المصالح وتكميلها". [مفتاح دار السعادة (٢/ ٣٢ - ٣٣)].