للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأصل الأول هو الأكثر والأشهر في استعمال العرب، وهو كلّ ما دلَّ على اللين والذُّل؛ ولذا يقول الإمام ابن جرير الطبري مقررًا ومؤيدًا كون معنى الذل والخضوع هو الأشهر عند العرب، فقال عند تفسير قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)} [الفاتحة: ٥]: "وإنما اخترنا البيان عن تأويله بأنه: بمعنى نخشع، ونذل، ونستكين، دون البيان عنه بأنه بمعنى: نرجو، ونخاف، وإن كان الرجاء والخوف لا يكونان إلا مع ذلة؛ لأن العبودية عند جميع العرب أصلها الذلة ... والشواهد من أشعار العرب وكلامها على ذلك أكثر من أن تحصى، وفيما ذكرناه كفاية لمن وفق لفهمه إن شاء الله تعالى" (١).

ويقول الشيخ ابن عاشور: "ومعنى العبادة في اللغة العربية قبل حدوثِ المصطلحات الشرعية دقيق الدلالة، وكلمات أئمة اللغة فيه خفية، والذي يُستخلص منها أنها: إظهار الخضوع للمعبود، واعتقاد أنه يملك نفع العابد وضرّه ملكًا ذاتيًا مستمرًا، فالمعبود إله للعابد" (٢).

أما معناها في الشرع فقد تنوعت تعريفات العلماء وتعددت بحسب تعدد الاعتبارات التي ترجع إليها تعريفاتهم؛ فبعضهم نظر إلى أصل العبادة وأساسها وما تنبني عليه، وبعضهم نظر إلى شروطها وأركانها، والبعض نظر إلى أفرادها، وهكذا، وفيما يلي بعض ما وقفت عليه من تلك التعاريف:

عرَّفها سعيد بن جبير (٣) بقوله وقد سئل عنها: "والعبادة هى الطاعة" (٤)


(١) تفسير الطبري (١/ ٦٩).
(٢) التحرير والتنوير (٢٧/ ٢٦).
(٣) هو: أبو محمد سعيد بن جبير بن هشام الأسدي مولاهم، قال الذهبي: "الإمام الحافظ المقرئ المفسر الشهيد"، قتله الحجاج بواسط في شعبان سنة ٩٥ هـ. [انظر سير أعلام النبلاء (٤/ ٣٤١)، والتقريب (٢٣٤)].
(٤) ذكر بعض أهل العلم أن العبادة في القرآن تأتي على وجهين: الأول: التوحيد، =