للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في بيان ما تتضمنه العبادة: "وهي تشمل جميع ما أمر الله أن يتقرب إليه به من جميع القربات، فيخلص تقربه بذلك إلى الله، ولا يصرف شيئًا منه لغير الله كائنًا ما كان" (١).

هذا بعض ما وقفت عليه من أقوال العلماء في بيان معنى العبادة، والمتأمل فيها يجدها قد تنوعت وتعددت عباراتهم في تقرير معناها بحسب نظر كل منهم؛ فمنهم من نظر إلى أصل العبادة وما تقوم عليه من معاني الخضوع والذل والمحبة، وهي ها هنا مصدر بمعنى التعبد، ومنهم من نظر إلى شروط صحتها وقبولها عند الله تبارك وتعالى، ومنهم من نظر إلى أفرادها ومفرداتها إلى غير ذلك.

والمهم في الأمر هو التنبيه إلى أن المحبة التي هي ركن في العبادة الشرعية لم يذكرها أهل اللغة في ضمن تعريفهم للعبادة، وإنما عُرف ذلك بالشرع، فالشرع دلَّ على أن أصل العبادة هو المحبة، وأن الشرك فيها هو أصل الشرك؛ ولذلك صرح إبراهيم عليه السلام بنفي هذه المحبة التي هي روح العبادة عن الكوكب السماوي فقال تعالى حاكيًا عنه: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (٧٦)} [الأنعام: ٧٦] (٢).

فهي أصل الإيمان العملي؛ فلا يقبل عمل من الأعمال بدونها، ولذا حكم الله تعالى على من لم تتحقق فيه هذه المحبة الشرعية بالكفر وحبوط العمل، كما في قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (٩)} [محمد: ٩]، وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (٢٨)} [محمد: ٢٨].

يقول الإمام الطبري: "وقوله: {فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}: يقول فأبطل الله


(١) أضواء اليبان (٧/ ٤١٠).
(٢) انظر: قاعدة في المحبة لابن تيمية (ص ٨٧).