للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العارفون بالله حقًا لا يناجونه بمثل هذه الكلمة الخيالية، بل يعبدونه طمعًا في جنته، وكيف لا وفيها أعلى ما تسمو إليه النفس المؤمنة، وهو النظر إليه سبحانه، ورهبة من ناره، ولما لا، وذلك يستلزم حرمانهم من ذلك، ولهذا قال تعالى بعد أن ذكر نخبه من الأنبياء: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (٩٠)} [الأنبياء: ٩٠]؛ ولذلك كان نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- أخشى الناس لله كما ثبت في غير ما حديث صحيح عنه. هذه كلمة سريعة حول تلك الجملة العدوية، التي افتتن بها كثير من الخاصة فضلًا عن العامة، وهي في الواقع {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً} [النور: ٣٩] " (١).

خامسًا: وكان من آثار هذه العقيدة: أن ترك أصحابها دعاء الله تعالى؛ فلا يسألونه الجنة، ولا يستعيذون به من النار، بل يعبدونه لذاته، وما يستحقه من الكمال والجلال، ولا شك أن هذا غلط مخالف لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- الثابت عنه، وهدي أصحابه -رضي الله عنهم- بل مخالف لهدي جميع الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم-، كما حكى الله -عز وجل- عنهم ذلك بقوله: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (٩٠)} [الأنبياء: ٩٠] وكما قال عز من قائل: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (٥٧)} [الإسراء: ٥٧]، فأخبر سبحانه بأنهم كانوا يعبدونه بالرغب والرهب، وأنهم كانوا يرجون رحمته وجنته سبحانه، ويخافون من عذابه وناره وأليم عقابه.

فحال نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، أنه كان دائم الدعاء والخضوع لربه تبارك وتعالى، يدعوه، ويسأله الجنة، ويستعيذ به من النار، خلافًا لما عليه من


(١) سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للشيخ الألباني (٢/ ٤٢٦ - ٤٢٧).