للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من هذه، فترت عزائمه، وضعفمت همته، ووهى باعثه، وكلما كان أشد طلبًا للجنة، وعملًا لها، كان الباعث له أقوى، والهمة أشد، والسعي أتم، وهذا أمر معلوم بالذوق.

ولو لم يكن هذا مطلوبًا للشارع، لما وصف الجنة للعباد، وزينها لهم، وعرضها عليهم، وأخبرهم عن تفاصيل ما تصل إليه عقولهم منها، وما عداه أخبرهم به مجملًا، كل هذا تشويقًا لهم إليها، وحثًا لهم على السعي لها سعيها.

وقد قال الله -عز وجل-: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} [يونس: ٢٥]، وهذا حث على إجابة هذه الدعوة، والمبادرة إليها، والمسارعة في الإجابة.

والتحقيق أن يقال: الجنة ليست اسمًا لمجرد الأشجار، والفواكه، والطعام، والشراب، والحور العين، والأنهار، والقصور، وأكثر الناس يغلطون في مسمى الجنة، فإن الجنة، اسم لدار النعيم المطلق الكامل، ومن أعظم نعيم الجنة التمتع بالنظر إلى وجه الله الكريم، وسماع كلامه، وقرة العين بالقرب منه، وبرضوانه، فلا نسبة للذة ما فيها من المأكول، والمشروب، والملبوس، والصور، إلى هذه اللذة أبدًا، فأيسر يسير من رضوانه أكبر في الجنان وما فيها من ذلك، كما قال تعالى: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التوبة: ٧٢]، وأتى به منكرًا في سياق الإثبات؛ أي: أي شيء كان من رضاه عن عبده فهو أكبر من الجنة:

قليل منك يقنعني ولكن ... قليلك لا يقال له قليل (١)

وكذلك النار، أعاذنا الله منها، فإن لأربابها من عذاب الحجاب


(١) لم أقف على قائله، وذكره السيوطي في الإتقان ضمن أسباب وأغراض التنكير والتعريف، فقال: (السادس: التقليل، نحو {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ}؛ أي: رضوان قليل منه أكبر من الجنات؛ لأنه رأس كل سعادة: قليل منك يكفيني ولكن قليلك لا يقال له قليل). [الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (١/ ٥٥٧)].