للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذه الإرادة مميلة للفعل إلى بعض جهاته الجائزة عليه، فتسمى من هذا الوجه: نية، فصارت الإرادة إذا أضيف إليها هذا الاعتبار صارت نية، وهذا الاعتبار هو تمييز الفعل عن بعض رتبه (١) ...

هذا، إن اقتصر على الاعتبار العام، وهو مطلق إمالة الفعل إلى بعض جهاته، والصحيح: أنه لا يقتصر عليه، وأن يؤخذ معنى أخص منه، وهو: إمالة الفعل إلى جهة حكم شرعي يشمل الإباحة، فينوي إيقاع الفعل على الوجه الذي أمر الله به، ونهى عنه، أو أباحه.

ومنهم من يقول: بل أخص من هذا، وهو: أن يميل الفعل إلى جهة التقرب، والعبادة" (٢).

ويقول أيضًا في بيان حقيقة النية: "حقيقتها: وهى قصد الإنسان بقلبه ما يريده بفعله، فهي من باب العزوم والإرادات، لا من باب العلوم والاعتقادات، والفرق بينها وبين الإرادة المطلقة: أن الإرادة قد تتعلق بفعل الغير، بخلافها، كما نريد مغفرة الله جلا جلاله ... والفرق بينها وبين العزم: أن العزم تصميم على إيقاع الفعل، والنية تمييز له، فهي أخفض منه رتبة، وسابقة عليه" (٣).

وقال -رحمه الله- بعد أن بيَّن الفروق التي بين النية وغيرها من الألفاظ -القريبة منها في المعنى-: "فتلخص: أن النية غير التسعة الباقية؛ لما ذكر فيها من الخصوصية المتقدمة، وخصوصيات كل واحد من التسعة المفقودة في النية، فيجزم الناظر بالفرق حينئذٍ، ولا يضر كون الاستعمال قد يتوسع فيه، فيستعمل: أراد، ومراده نوى، أراد ومراده عزم، أو


(١) تمييز الفعل عن بعض رتبه: هو من الفروق بين الإرادة والنية، وهناك فرق آخر ذكره القرافي رحمه الله بعد ذلك فقال: (وتفارق النية الإرادة من وجه آخر، وهو: أن النية لا تعلق إلا بفعل الناوي، والإرادة تتعلق بفعل الغير، كما نريد مغفرة الله تعالى وإحسانه، وليست من فعلنا). [الأمنية في إدراك النية (ص ١٠)].
(٢) الأمنية في إدراك النية (ص ٩ - ١٠).
(٣) الذخيرة للقرافي (١/ ٢٤٠).