للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قصد العبادة: فقصد العمل الخاص، فإن من أراد الله والدار الآخرة بعمله؛ فقد يريده بصلاة، وقد يريده بحج، وكذلك من قصد طاعته بامتثال ما أمره به، فقد أطاعه في هذا العمل، وقد يقصد طاعته في هذا العمل، فهذا القصد الثاني مثل: قصد الصلاة دون الصوم، ثم صلاة الظهر دون صلاة العصر، ثم الفرض دون النفل، وهذه النية التي تذكر غالبًا في كتب الفقه المتأخرة، وكل واحدة من النيتين فرض في الجملة.

أما الأولى: فبها يتميز من يعبد الله مخلصًا له الدين ممن يعبد الطاغوت، أو يشرك بعبادة ربه، ومن يريد حرث الآخرة ممن يريد حرث الدنيا، وهو الدين الخالص لله -الذي تشترك فيه جميع الشرائع- الذي نهى الأنبياء عن التفرق فيه كما قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: ١٣] " (١).

ويزيد الإمام ابن تيمية الأمر وضوحًا بقوله: "ولفظ النية يجري في كلام العلماء على نوعين؛ فتارة يريدون بها: تمييز عمل من عمل، وعبادة من عبادة، وتارة يريدون بها: تمييز معبود عن معبود، ومعمول له عن معمول له.


= إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (١/ ٣)، برقم (١)، وفي كتاب الإيمان، باب: ما جاء أن
الأعمال بالنية والحسبة .. (١/ ٣٠)، برقم (٥٤)، كما أخرجه في مواضع عديدة من
كتابه الصحيح، وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب: قوله -صلى الله عليه وسلم-
إنما الأعمال بالنية، وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال (٣/ ١٥١٥)، برقم (١٩٠٧)، بلفظ (النية) بدلًا عن (النيات). قال الإمام النووي: "هذا حديث صحيح متفق على صحته، مجمع على عظم موقعه وجلاته، وهو أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، وكان السلف وتابعوهم من الخلف -رحمهم الله- يستحبون استفتاح المصنفات بهذا الحديث؛ تنبيهًا للمطالع على حسن النية، واهتمامه بذلك، والاعتناء به". [الأذكار للنووي (ص ٥)].
(١) مجموع الفتاوى (٢٦/ ٢٣، ٢٤، ٢٥).