للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عاديًا، لا عباديًا، والعادات لا يتقرب بها إلى بارئ البريات، وفاطر المخلوقات.

فإذا عري العمل عن النية، كان كالأكل، والشرب، والنوم الحيواني البهيمي، الذي لا يكون عبادة بوجه، فضلًا أن يؤمر به، ويرتب عليه الثواب، والعقاب، والمدح، والذم، وما كان هذا سبيله لم يكن من المشروع للتقرب به إلى الرب تبارك وتعالى، ولذلك يقصد بها تمييز مراتب العبادات بعضها عن بعض، فيميز فرضها عن نفلها، ومراتبها بعضها عن بعض، وهذه أمور لا تَحَقُّقَ لها إلا بالنية، ولا قوام لها بدونها البتة" (١).

ومن أهل العلم من اعتبر مراتب النوع الأول للنية -وهو قصد العبادة- هي الحكمة في إيجاب النية ومنهم القرافي -رحمه الله- فقال: "حكمة إيجابها وهي تمييز العبادات عن العادات؛ ليتميز ما لله عن ما ليس له، أو تمييز مراتب العبادات في أنفسها؛ لتتميز مكافأة العبد على فعله، ويظهر قدر تعظيمه لربه، فمثال الأول: الغسل يكون تبردًا، وعبادة، ودفع الأموال يكون صدقة شرعية، ومواصلة عرفية، والإمساك عن المفطرات، يكون عبادة، وحاجة، وحضور المساجد، يكون مقصودًا للصلاة، وتفرجًا، يجري مجرى اللذات.

ومثال القسم الثاني: الصلاة؛ تنقسم إلى فرض ومندوب، والفرض ينقسم إلى الصلوات الخمس؛ قضاء، أو أداء، والمندوب ينقسم إلى راتب كالعيدين، والوتر، وغير راتب كالنوافل، وكذلك القول في قربات المال، والصوم، والنسك، فشرعت النية لتمييز هذه الرتب، ولأجل هذه الحكمة تضاف صلاة الكسوف، والاستسقاء، والعيدين، إلى أسبابها؛ لتمييز رتبتها، وكذلك تتعين إضافة الفرائض إلى أسبابها؛ لتتميز لأن تلك


(١) بدائع الفوائد (٣/ ٧٠٦).