للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأسباب قرب في نفسها" (١).

فذكر -رحمه الله- النوع الأول للنية وهو قصد العبادة، وذكر مراتبه وهي: تمييز عبادة عن عادة، أو تمييز عبادة عن عبادة، ولم يتطرق إلى النوع الثاني وهو قصد المعبود وتمييزه عن غيره، والأول هو المشهور عن الفقهاء عند كلامهم في أبواب الطهارة والصلاة وغيرها.

فالنية كما أنها أصل في حصول الأعمال الشرعية وصلاحها، ومع ذلك فهي تميّز الأعمال عن بعضها البعض، وإن اتفقت في الصورة، وعليه فتختلف أحكامها، فالذي يذبح شاة مثلًا، يحتمل فعله هذا عدة صور، فربما ذبحه تقربًا لله تعالى، وربما كان الذبح لغير الله، وربما كان لمجرد الأكل والاستمتاع باللحم، وأحكام هذه الصور تختلف بحسب اختلاف نية الذابح.

يقول الإمام ابن تيمية: "وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنما الأعمال بالنيات": كلمة جامعة كاملة؛ فإن النية للعمل كالروح للجسد، وإلا فكل واحد من الساجد لله، والساجد للشمس والقمر، قد وضع جبهته على الأرض، فصورتهما واحدة، ثم هذا أقرب الخلق إلى الله تعالى، وهذا أبعد الخلق عن الله" (٢).

ويقول الشاطبي: "ويكفيك منها: أن المقاصد تفرق بين ما هو عادة، وما هو عبادة، وفي العبادات بين ما هو واجب، وغير واجب، وفي العادات بين الواجب، والمندوب، والمباح، والمكروه، والمحرم، والصحيح، والفاسد، وغير ذلك من الأحكام، والعمل الواحد يقصد به أمر فيكون عبادة، ويقصد به شيء آخر فلا يكون كذلك، بل يقصد به شيء فيكون إيمانًا، ويقصد به شيء آخر فيكون كفرًا؛ كالسجود لله أو للصنم.


(١) الذخيرة (١/ ٢٤٢)، وانظر: (٣/ ٢١٩)، والأمنية في إدراك النية (ص ٢٠).
(٢) مجموع الفتاوى (٢٨/ ٢٩١).