للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تقييد، كما يظنه طوائف من الناس، حيث يحسبون أن النية المراد به (١) النية الشرعية المأمور بها، فيحتاجون أن يحصروا الأعمال بالأعمال الشرعية، فإن النية موجودة لكل متحرك، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "أصدق الأسماء الحارث وهمام" (٢)، فالحارث: هو العامل الكاسب، والهمام: هو القاصد المريد، وكل إنسان متحرك بإرادته حارث همام" (٣).

ويقول الإمام ابن حزم: "ولا بد لكل عمل من نية، وكل شيء يتصرف فيه المرء، فلا يخلو من أحد وجهين: إما حركة، وإما إمساك عن حركة، وإنما يفرق بين الطاعة من هذين الوجهين، وبين المعصية منهما، وبين اللغو منهما النيات فقط، ولا فرق بين الطاعة والمعصية، واللغو في الحركات، والإمساك عن الحركات، إلا بالنيات فقط، وإلا فكل واحد فهو إما: واقع تحت جنس الحركة، وإما واقع تحت جنس الإمساك عن الحركة.

فوجب بالضرورة أن لا يتم عمل، ولا يصح أن يكون حركة، إو إمساك، متوجهين إلى الطاعة المأمور بها، خارجين عن المعصية، وعن اللغو إلا بنية، هذا أمر لا محيد عنه أصلًا، إلا لجاهل لا معرفة له بحقائق الأمور" (٤).

ويقول ابن الحاج: "فلا يكون عمل من الأعمال إلا عن إرادة،


(١) كذا في المطبوع، ولعل الصواب [بها].
(٢) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في تغيير الأسماء (٤/ ٢٨٧)، برقم (٤٩٥٠)، وأحمد في مسنده (٤/ ٣٤٥)، برقم (١٩٠٥٤)، وأبو يعلى في مسنده (١٣/ ١١١)، برقم (٧١٦٩)، والحديث حسنه الشيخ الألباني. [انظر: صحيح الترغيب والترهيب (٢/ ٤٣١)، برقم (١٩٧٧)، ولفظ أبي داود: (وأصدقها حارث وهمام وأقبحها حرب ومرة)].
(٣) قاعدة في المحبة (ص ١٥).
(٤) الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم (٥/ ١٣٤).