للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول الإمام ابن تيمية: "وكل الأعمال إن لم تكن لأجله؛ فيكون هو المعبود، المقصود، المحبوب، لذاته، وإلا كانت أعمالًا فاسدة؛ فإن الحركات تفتقر إلى العلة الغائية، كما افتقرت إلى العلة الفاعلية، بل العلة الغائية بها صار الفاعل فاعلًا ولولا ذلك لم يفعل.

فلولا أنه المعبود المحبوب لذاته لم يصلح قط شيء من الأعمال والحركات بل كان العالم يفسد وهذا معنى قوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:٢٢] ولم يقل لعدمتا وهذا معنى قول لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل" (١).

فكل عمل لا يراد به وجهه فهو باطل لا منفعة فيه؛ فإن ما لا يكون بالله لا يكون؛ فإنه لا حول ولا قوة إلا به، وما لا يكون له لا ينفع ولا يدوم، كما قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (٢٣)} [الفرقان: ٢٣]، وإنما ذلك لكونه لم يكن لله فجعله الله هباء لا فائدة فيه، وكما قال سبحانه: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (١٨)} [إبراهيم: ١٨]، فحكم الله عليهم بالضلال، وجعل أعمالهم كالرماد لا فائدة فيها؛ إذ كان مقصودًا بها غير الرب تبارك وتعالى (٢).

ويقول الإمام ابن القيم: "ولا صلاح له إلا أن تكون غاية حركته، ونهاية مطلبه، هو الله وحده، كما لا وجود له إلا أن يكون الله وحده هو ربه، وخالقه، فوجوده بالله وحده، وكماله أن يكون لله وحده، فما لا يكون به لا يكون، وما لا يكون له لا ينفع، ولا يدوم؛ ولهذا قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢] ولم يقل: لعدمتا


(١) مجموع الفتاوى (٥/ ٥١٥).
(٢) درء التعارض (٤/ ١٤ - ١٥) بتصرف.