للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذ هو سبحانه قادر على أن يبقيهما على وجه الفساد، لكن لا يمكن أن تكونا صالحتين إلا بأن يكون فاطرهما، وخالقهما هو المعبود وحده لا شريك له" (١).

والحاصل: أن من كان باعثه في جميع أعماله وحركاته صالحًا، متضمنًا لرضا الله تعالى، ومن أجله سبحانه، وفي ذاته عز وجل، استجابة لأمره، وانتهاء عن نهيه، وحبًا وتعظيمًا، وخوفًا، ورجاء، كان العمل صالحًا ومقبولًا ومثابًا عليه، والعبادة صحيحة، ومعتبرة، وصالحة، فالعمل يتبع النية في الصحة، والاعتبار والصلاح، والثواب عند الله تبارك وتعالى.

يوضح ذلك أن اتصاف الأعمال، والحكم عليها بالصحة أو الفساد، لا تخلو إما أن تكون في ذاتها صحيحة، أو فاسدة، فيحكم عليها بحسب ما قام بذاتها من الوصف، صحة وفسادًا، فإذا ثبتت صحتها في ذاتها، فينظر بعد ذلك إلى المرجح الآخر، وهو النية والقصد الباعث على فعله؛ فإن كان قصدًا شرعيًا، وصحيحًا محمودًا، كان العمل صالحًا، ومثابًا عليه، وإن كانت النية فاسدة، والقصد سيئًا، كان العمل بحسب ذلك، فظهر بذلك أن صلاح الأعمال وفسادها هو باعتبار ذواتها تارة، وباعتبار نياتها ومقاصدها تارة أخرى (٢).

وأعمال العباد من منظورها الشرعي لا تخرج عن وصفها بالأمر، أو التحريم، أو الإباحة، فالمأمورات داخلة في العبادة، سواء كان أمر إيجاب أو استحباب، فلا يخلص فاعلها من عهدة تكليفه بها، بأن تقع صحيحة، ومجزئة، ومثابًا عليها، إلا مع النية، وهذا شامل لجميع ما يدخل تحت مسماها؛ كطهارة الحدث، والصلاة، والزكاة، والصيام،


(١) إغاثة اللهفان (٢/ ١٣٦).
(٢) انظر: إغاثة اللهفان، لابن القيم (٢/ ١٣٦).