للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولون: إن الفلك يتحرك حركة اختيارية بسببها تحدث الحوادث من غير أن يكون قد حدث من جهة الله ما يوجب حركته" (١).

ويقول الإمام ابن القيم مبينًا تلازم التعطيل والشرك، وأن الأول أصل للثاني وأساسه ومبدأه: "بل كل شرك في العالم فأصله التعطيل؛ فإنه لولا تعطيل كماله، أو بعضه، وظن السوء به لما أشرك به ... والمقصود: أن التعطيل مبدأ الشرك، وأساسه، فلا تجد معطلًا إلا وشركه على حسب تعطيله فمستقل ومستكثر" (٢).

ويقول -رحمه الله- أيضًا: "فالشرك والتعطيل متلازمان، فكل مشرك معطل، وكل معطل مشرك، لكن -أي: الشرك- لا يستلزم أصل التعطيل، بل قد يكون المشرك مقرًا بالخالق سبحانه وصفاته ولكن عطل حق التوحيد" (٣).

ويبيّن الإمام ابن القيم السبب الذي قاد أهل التعطيل لأسماء الله وصفاته إلى الوقوع في الشرك الأكبر فيقول: "ولهذا كان مرض التعطيل ومرض الشرك أخوين متصاحبين، لا ينفك أحدهما عن صاحبه، فإن المعطل قد جعل آراء الرجال، وعقولهم ندًا لكتاب الله، والمشرك قد جعل ما يعبده من الأوثان ندًا له، ومما يبين تلازم التعطيل والشرك: أن القلوب خلقت متحركة، طالبة للتأله، والمحبة، فهي لا تسكن إلا لمحبوب تطمئن إليه، وتسكن عنده، يكون هو غاية محبوبها، ومطلوبها، ولا قرار لها، ولا طمأنينة، ولا سكون بدون هذا المطلوب، والظفر به، والوصول إليه، ولو ظفرت بما ظفرت به سواه لم يزدها ذلك إلا فاقة، وفقرًا، وحاجة، وقلقًا، واضطرابًا.

فطلب هذا المراد المطلوب كامن مستقر فيها وإن أعرضت عنه، واشتغلت بغيره، ولم تشعر به، فوجود الشيء لا يستلزم الشعور به، بل


(١) منهاج السُّنَّة النبوية (٣/ ٢٧٩).
(٢) مدارج السالكين (٣/ ٣٤٧ - ٣٤٨).
(٣) الجواب الكافي (ص ٩٠).