للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبذلك تظهر أهمية القواعد وأثرها في حفظ العلوم وأهمية إتقانها وفهمها والقياس عليها، وتفريع المسائل الجزئية منها.

فإن من ضبط القواعد والكليات استغنى بها عن حفظ أكثر الجزئيات، لاندراجها في الكليات، وانضبط في ذهنه ما تناقض عند غيره، وحصل مقصوده في أقرب وقت وأقصر زمان (١).

ب - سبق بيان أن قواعد التوحيد والعقيدة منها ما هو من قواعد الدين وأصوله؛ كالإيمان بالله ورسوله وباليوم الآخر، ومنها ما هو من فروعه الواجبة التي هى من مكملات تلك الأصول والكليات، وعليه فإن معرفة تلك القواعد وما ينبني عليها هي من أصول الدين، وأسس العقيدة، إذ بدون تحقيق هذه القواعد الأصلية معرفة واعتقادًا وقولًا وعملًا لا يستقيم إسلام، ولا يتم إيمان، وقد يخرج من الدين باعتقاده لنقيض تلك الأصول العظيمة، والقواعد الكبيرة، ويكفي هذا في الدلالة على أهمية هذه القواعد العقدية، وضرورة الحرص عليها واعتقادها وتعلمها والعمل بها والدعوة إليها كما فعل أئمة الإسلام.

يقول الإمام الشاطبي: "اعلم أن القواعد الكلية هي الموضوعة أولًا، والذي نزل بها القرآن على النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة، ثم تبعها أشياء بالمدينة كُمِّلَت بها تلك القواعد التي وضع أصلها بمكة، وكان أولها الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر، ثم تبعه ما هو من الأصول العامة كالصلاة، وإنفاق المال، وغير ذلك، ونهي عن كل ما هو كفر، أو تابع للكفر؛ كالافتراءات التي افتروها؛ من الذبح لغير الله، وللشركاء الذين ادعوهم افتراء على الله، وسائر ما حرموه على أنفسهم، أو أوجبوه من غير أصل، مما يخدم أصل عبادة غير الله، وأمر مع ذلك بمكارم الأخلاق كلها؛ كالعدل والإحسان والوفاء بالعهد، وأخذ العفو والإعراض عن


(١) انظر: الفروق، للقرافي (١/ ٧).