للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتامة وصحيحة لأنتجت الإلهية التامة الصحيحة فقال -رحمه الله- في جواب سؤال عن الربوبية والألوهية، وعن السبب في أن مشركي العرب لم يوصلهم توحيد الربوبية إلى توحيد العبادة وغيرها من الأسئلة فقال: "سرني ما ذكرت من الإشكال، وانصرافك إلى الفكرة في توحيد الربوبية، ولا يخفاك: أن التفصيل يحتاج إلى أطول، ولكن ما لا يدرك كله، لا يترك كله، فأما توحيد الربوبية، فهو: الأصل ولا يغلط في الإلهية إلا من لم يعطه حقه، كما قال تعالى، فيمن أقر بمسألة منه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٦١)} [العنكبوت: ٦١]، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧)} [الزخرف: ٨٧].

ومما يوضح لك الأمر: أن التوكل من نتائجه، والتوكل من أعلى مقامات الدين، ودرجات المؤمنين؛ وقد تصدر الإنابة والتوكل من عابد الوثن بسبب معرفته بالربوبية، كما قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ} [الزمر: ٨] وأما عبادته سبحانه بالإخلاص دائمًا، في الشدة والرخاء، فلا يعرفونها وهي نتيجة الإلهية، وكذلك الإيمان باللّه واليوم الآخر، والإيمان بالكتب، والرسل وغير ذلك؛ وأما الصبر والرضا، والتسليم والتوكل، والإنابة، والتفويض، والمحبة، والخوف، والرجاء، فمن نتائج توحيد الربوبية، وكذلك توحيد الإلهية، هو: أشهر نتائج توحيد الربوبية" (١).

فبيّن -رحمه الله- علاقة التلازم بين الشرك في الإلهية والشرك في الربوبية، وأن الأول يستلزم الثاني، فلا يحصل خلل في الإلهية قط وتكون الربوبية تامة كاملة هذا لا يحصل؛ بل كل خلل وانحراف في الإلهية إنما هو نتيجة لخلل في الربوبية أو في الأسماء والصفات ولا بد.


(١) الدرر السنية (٢/ ٦٣ - ٦٥).