للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُعْطِيَ ولا مَانِعَ ولا مُحْيِيَ ولا مُمِيتَ، ولا مُدَبِّرَ لأَمْرِ المَمْلَكَةِ ظَاهِرًا وباطِنًا غيرُه، فما شاءَ كانَ وما لم يَشَأ لم يَكُنْ، ولا تَتَحَرَّكُ ذَرَّةٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، ولا يَجُوز حادِثٌ إِلا بِمَشِيئَتِهِ، ولا تَسْقُط وَرَقَةٌ إِلَّا بِعِلْمِهِ، ولا يَعْزُب عنه مِثْقالُ ذَرَّةٍ في السَّماواتِ ولا في الأَرْضِ ولا أَصْغَرُ مِن ذلك ولا أَكْبَرُ إِلَّا وقد أَحْصَاهَا عِلْمُه، وأَحاطتْ بها قُدْرَتُه، ونَفَذَتْ فيها مَشِيْئَتُه، واقْتَضَتْهَا حِكْمَتُه" (١).

وعرَّفه الشيخ السعدي بقوله: "توحيد الربوبية: بأن يعتقد العبد أن الله هو الرب المتفرد بالخلق والرزق والتدبير، الذي ربى جميع الخلق بالنعم، وربى خواص خلقه وهم الأنبياء وأتباعهم بالعقائد الصحيحة، والأخلاق الجميلة، والعلوم النافعة، والأعمال الصالحة، وهذه التربية النافعة للقلوب والأرواح المثمرة لسعادة الدارين" (٢).

وعرَّفه الشيخ الحكمي بقوله: "فإذا عرفت أن توحيد الربوبية هو الإقرار بأن الله تعالى هو الخالق الرازق، المحي المميت، المدبر لجميع الأمور، المتصرف في كل مخلوقاته، لا شريك له في ملكه، فضد ذلك: هو اعتقاد العبد وجود متصرف مع الله غيره فيما لا يقدر عليه إلا الله عَزَّ وجَلَّ" (٣).

ومما سبق يتبين لنا معنى توحيد الربوبية، وهو إفراد الله تعالى بأفعاله، ولا شك أن أفعال الله كثيرة، كالخلق والرَّزق، والإحياء، والإماتة، وتدبير الكون، والنفع والضر، والشفاء، والإجارة، وإجابة دعوة المضطر، وإجابة الداعي، ونصر المظلوم، فيعتقد المسلم اعتقادًا جازمًا بأن هذه الأفعال خاصة بالله تبارك وتعالى، لا يشركه فيها أحد من


(١) تاج العروس (٩/ ٢٧٦).
(٢) القول السديد في مقاصد التوحيد (ص ١٩).
(٣) معارج القبول (٢/ ٤٥٩).